أن حركة الإنسان الحضارية مشلولة ومعاقة ومتخلفة في اخطر جوانبها وهي علاقة الانسان بأخيه الانسان…
حقاً أن هذه العلاقة متخلفة، وتخلفها يُعدُّ جانباً خطيراً معيقاً للمسيرة الإنسانية نحو التكامل ونحو الرقي والتقدم….
بل إن المآسي والمظالم والحرمان وكل شي يتفجر له القلب و تتحطم له الجماجم وتتمزق له الأشلاء نتيجة لتخلف هذه العلاقة أو انحرافها عن مسارها الصحيح…
إن هذه العلاقة تُعدُ المعيار الحقيقي لتقييم اي حضارة بل هي القوام الأساسي لتحقيق السعادة والأمن والأمان…
ونحن لو استعرضنا صورا لتخلف علاقة الانسان باخيه الانسان لوجدناها لا تعد ولا تحصى، فالحروب الأهلية والإقليمية والعالمية وكذلك التعذيب والاضطهاد والقتل والتشريد كلها علامات على انحراف هذه العلاقة وتخلفها…
قلتُ قبل قليل أن هذه العلاقة هي المقوم الأساسي للسعادة في حال تقدمها وتطورها، اي تكون مبنية على أساس الود والحب والعطاء والإيثار، لان المجتمع يتكون من مجموع هذه العلاقات، فيشترك المجتمع بمصالح عامة تتوقف عليها مسيرة حياتهم ونجاحها، وتحقيق هذه المصالح العامة يتطلب تجاوز الذات والمصلحة الشخصية واحترام الآخرين،
لا الصراع معهم ! والمنافسة أو تحقيق المصلحة الشخصية على أكتاف مصالح المجتمع…
فكيف نتخلص من ذلك دون أن تكون علاقة الانسان بأخيه الانسان متقدمة مزدهرة ؟
ويتضح من هذا الكلام الدور الخطير المهم الذي تلعبه علاقة الانسان بأخيه الانسان على مسرح الحياة وكذلك يتضح أن هذه العلاقة تحتاج إلى تربية وتنمية وتوجيه…
ولذلك قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله بحسب المضمون ( إن علاقة الانسان بربه لها دور تربوي في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان)[ اامصدر:نظرة عامة في العبادات للسيد محمد باقر الصدر]
أي أن المراد من كلام السيد رحمه الله أن توجيه وتربية علاقة الانسان بأخيه الانسان يتم عن طريق علاقة الانسان بخالقه العظيم الله تبارك وتعالى وهذا الكلام يختصر لنا المسافة لأن خير الكلام ما قلَّ ودلَّ…
على أن علاقة الانسان بأخيه الانسان أو استقرار الحياة ونجاحها التي تعتمد على هذه العلاقة مسألة أخذت باهتمام كل الفلاسفة وأهل القانون والمفكرين وغيرهم..
لكننا نجد أن هناك ثغرات في المعالجة !
لأنهم عجزوا عن توجيه هذه العلاقة وتنميتها بالشكل الذي يضمن نجاح الحياة واستقرارها….
بينما علاقة الانسان بربه التي تفرض عليه الايمان والالتزام بالشريعة التي تستمد وجودها من الخالق نفسه الحق المطلق…
لقد أخذت الشريعة علاقة الانسان بأخيه الانسان بنظر الاعتبار…
حيث فرضت عقوبات رادعة لكل من ينتهك هذه العلاقة كالخلود في جهنم وفرض الديات والحدود والقصاص والنفي….الخ
فقد تنوعت العقوبات بين ما هو اخروي ودنيوي…
إن المجتمع الذي عاصر تربية المربي الأول سيدنا محمد(ص) نجد أن هذا المجتمع وصل إلى أعلى درجات تطور وتقدم علاقة الانسان بأخيه الانسان، وقد أجمع العلماء من مختلف المذاهب بأن هذه هي الفترة الذهبية في علاقة الانسان بأخيه الانسان…
كيف حدث ذلك؟
كل ذلك حصل بسبب العبادة المخلصة لأن العبادة تمثل التجسيد العملي لعلاقة الانسان بربه والتي لها دور تربوي في توجيه علاقة الانسان بأخيه الانسان…
والعبادة هي جزء من الشريعة لكنها الجزء الأهم الذي يضمن تطبيق الشريعة كلها…