قبل ايام قليلة , التقى الملك السعودي بممثلي الدول الامريكية والاوربية في بلده وتحدث اليهم بكلام خطير حيث قال بالحرف الواحد بانه متأكد بان داعش ستدخل اوروبا لتعبث بها بعد شهر كما قال انه متاكد بان داعش ستدخل امريكا بعد شهرين , وطلب من الموجودين وهم يمثلون الدول المعنية بالتهديدات ان ينقلوا رسالته الى قادة دولهم , الغريب في الامر ان هذا الموضوع لم يلقى اية اهتمامات بوزنه في الاعلام العالمي رغم ان الرئيس الامريكي اعترف امس ان تهديدات داعش حقيقية وتستحق ردع التنظيم , ويعزوا البعض ان سبب عدم الاهتمام بتلك التحذيرات انهم ربما فهموا نوايا اخرى خارج تلك التصريحات ؟ , فما قاله الملك السعودي كبير ولكن ردود الافعال لم ترقى الى كبر تصريحاته الخطيرة , لقد قال لنا قبله السيد اوباما ان الذئب على الابواب ولكن ذلك لم يكن غريبا لاننا نعلم ما يدور في كل المحافظات ومنها حزام بغداد , ومن يفهم سياسة امريكا اتجاه العراق اعتبر بان تصريحات اوباما ماهي الا صعقة سياسية للضغط على الاطراف المتفاوضة بشأن تشكيل الحكومة القادمة لغرض ان تكون الحكومة هي بمشاركة الجميع وليس في الاغلبية بعد ان صدرت تصريحات من بعض قوى التحالف الوطني بانها باتت تمتلك النصف زائد واحد , ويعني ذلك من الناحية العملية بانه لاسبيل لانقاذ العراق من داعش الا بالتوافق السياسي بين الشركاء والدعوة لاسقاط فكرة حكومية الاغلبية التي تغيب بقية المكونات .
وعودة الى الغرض من تصريحات العاهل السعودي وخادم الحرمين , فانه حدد شهرين لغرض دخول داعش الى الولايات المتحدة الامريكية , وهي قد تكون اثارة للعواطف الامريكية بخصوص الهجمات التي حصلت في 11 ايلول كما انها ربما اذكاء للناخبين في الانتخابت النصفية التي ستجري في الولايات المتحدة الامريكية خلال العام الحالي والتي يسعى فيها الجمهوريون ليشكلوا اغلبية للاستيلاء على زمام الامور في الكونغرس لتعطيل بعض صلاحيات الرئيس باراك اوباما الذين يجدون فيه حالة من الضعف في معالجة قضايا العالم والمنطقة ومنها الوضع في سوريا والعراق وملف ايران النووي والتباطوء في القضاء على داعش المكشوف وجها وظهرا لا سيما بعد ذبح اثنين من الصحفيين الامريكيين على مشاهد بثتها مواقع التواصل الاحتماعي وتناقلتها مختلف وسائل الاعلام , وهي قضية تمثل تراجعا في السياسة الامريكية في حماية مواطنيها اينما وجدوا في بقاع الارض , وحسب ما يعتقده البعض فان التعجيل في اعدام الصحفي الامريكي الثاني جزء من قصده هو تأكيد مصداقية العاهل السعودي ليقول للامريكيين ان الذئب على الابواب وهو ما يعطي قوة الدفع للجمهوريين في تحقيق الاغلبية في الكونغرس وحجز المقعد الرئاسي لهم بعد انتهاء الولاية الاخيرة لباراك اوباما .
لقد وجد العاهل السعودي بان الجمهوريين هم افضل من الديمقراطيين في التوافق مع سياساته بمختلف القضايا , فقد كان بوش الاب والابن الافضل في تبديد المخاوف السعودية في المنطقة سواء ما يتعلق بالعراق او ايران , اما اوباما ( البارد ) فلم يفعل شيئا بخصوص الصراع في سوريا ففي زيارته الاخيرة الى السعودية قام الصحفيون بتوجيه اسئلة له عن سر عدم اتخاذه لاجراءات رادعة اتجاه بشار الاسد ونظامه , فقال لهم بالحرف الواحد ان تجربتنا في العراق قد خلفت العديد من الضحايا كما ان تجربة الضربات الجوية في ليبيا لم تصنع ما كنا نتمناه لهذا فاننا في الوقت الحالي ليس لدينا الاستعداد في تقديم ضحايا في سوريا على غرار ما جرى العراق كما لا نريد ان نكرر تجربة ليبيا في سوريا لاننا لا نعلم المستفيد الاخير من هذه المخاطرات التي تكلف ضحايا واموال , ويبدو ان اوباما وهو في ولايته الاخيرة لا يريد ان يترك اثارا قد لاسئلة يحاسب او يعاتب عنها فيما بعد , اخذين بنظر الاعتبار ان هناك مطالبات امريكية معطلة هدفها مساءلة بوش عن اسباب احتلاله وتدميره للعراق للحد الذي اوصله لعدم القدرة عن الدفاع عن ثلث مساحته امام تنظيم لا يتجاوز قوامه بضعة الالاف من الشتات امام جيش له تعداد كبير من العسكريين تم بنائه وتسليحه من قبل الامريكان .
ومن الاسئلة المحيرة لكنها لا تحتاج الى ذكاء للاجابة عنها هي كيف تأكد الملك السعودي بان اوروبا ستتعرض لاعتداءات من داعش بعد شهر وامريكا ستتعرض الى مثلها بعد شهرين ولماذا اعلن عن هذه المعلومات الخطيرة بوسائل الاعلام وليس برسائل او اتصالات سرية مع قادة الدول المعنية وهل يعقل ان السعودية تمتلك قدرا من المعلومات المهمة يفوق القدرات التي تمتلكها الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي من حيث المراقبة والتتبع والاستخبارات ؟ وما يرتبط بهذه الاسئلة هو التغيير في التكتيك الذي تتبعه داعش في العراق حيث اخذ المسلحون وقادتهم ينسحبون من المواقع المهمة ويتركون تواجدا بسيطا من الخط الثاني كما انهم باتوا يخسرون معارك كما حصل في مناطق الشمال وسد الموصل وآمرلي وسليمان بيك وغيرها , والى جانب ذلك فان داعش اخذ يتعمد الاساءة الى سمعته من خلال قتل الصحفي الامريكي الثاني بعد الادانة الدولية لجرائمه ومباشرة جون كيري جولته لانشاء تحالف دولي للقضاء على داعش ومطاردته في سوريا والعراق بعد نجاح الضربات الجوية في كردستان , وان الاجابة عن كل ذلك تتلخص باتباع سياسة تكبير الوحش والتي نجحت في 10/ 6 في العراق فالجيش الذي انسحب وقع تحت تأثير الهالة الاعلامية لهذه السياسة التي صنعتها وسائل الاعلام التي تمول التنظيم وتروج له بطريقة غاية في التاثير .
ويحق لكل عراقي السؤال هنا اذا كانت السعودية تعلم موعد اعتداءات داعش على اوروبا وامريكا والتي تبعد عنها جغرافيا مئات او الآلاف من الاميال فلماذا لم تعلم عن موعد الهجمات التي تم شنها التنظيم على العراق ونحن نتشارك مع السعودية في الحدود وان ما يصيب العراق قد يصيبها من اضرار ؟ سيما وان السعودية اصدرت بيانات رسمية اعلنت فيها شجبها ورفضها واستنكارها لداعش وعدم علاقة ما تقوم به بالاسلام , والعبرة من كل هذه الاسئلة والتساؤلات هو ان نفهم ان صناعة داعش وادارته تتم بطرق غير معروفة بالكامل , وان مواجهة هذا الخطر يجب ان يتم بالاعتماد على الامكانيات المحلية في بناء جهد وطني منظم ومنسق ومنضبط من الجيش والقوات الامنية والحشد الشعبي والعشائر لتحرير كل ما تمت السيطرة عليه , والتعاون مع الاصدقاء في هذا المجال باعتبار ان الخطر بات محدقا بالجميع وان من مصلحة اعداء داعش ان يخوضوا معاركهم خارج اراضيهم باستثمار سوريا والعراق , وهو ما يجعل دعم العراق لمحاربة داعش يصب في مصلحتهم ولا يشكل فضلا منهم على العراق , فالمواطنين من الامريكان والاوربيين وغيرهم الذي انضموا الى داعش سيعودوا يوما الى بلدانهم بعد انتهاء المدة الوبائية للفايروس على غرار انفلونزا الطيور والخنازيرلنشر الافكار والممارسات التي تعودوا عليها من داعش في بلدانهم , ونعتقد ان على الدول التي تسعى للمحافظة على امنها وسلامتها ان تستفيد من المعلومات التي اشار اليها الملك السعودي علانية لمعرفة المزيد من التفاصيل .