17 نوفمبر، 2024 1:30 م
Search
Close this search box.

العام الدراسي الحالي : العبور بديلا عن التأجيل

العام الدراسي الحالي : العبور بديلا عن التأجيل

ليس العام الدراسي الحالي ( 2019 / 2020 ) ، هو العام الدراسي الوحيد الذي يواجه فيه قطاع التربية والتعليم حرجا في كيفية التعامل معه ، ففي أيلول عام 1959 صدر قرار ( خاطئ ) من قبل الراحل الزعيم عبد الكريم قاسم والذي أطلق عليه قرار الزحف حيث اعتبر أن جميع الطلبة وفي كل المستويات ناجحين إلى المرحلة التالية ، وقد شكل ذلك القرار صدمة قوية للمثقفين والتربويين والأكاديميين وهكذا بقيت آثاره السيئة على التعليم لسنوات تلت ، وبعد الخراب الذي عم التعليم أثناء حرب الخليج الاولى في مراحله كافة ، جاءت كارثة احتلال الكويت عام 1990 حيث ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة ، وكانت من ردود أفعال ذلك الاحتلال تشكيل تحالف دولي لإخراج العراق عسكريا من الكويت ، وفي حرب الخليج الثانية التي بدأت في 17/ 1 / 1991 عطلت المدارس والجامعات في محافظات العراق كافة لأكثر من ثلاثة شهور نظرا لتعرض البنى التحتية للخراب وفقدان طاقة الكهرباء ، وكاد العام الدراسي أن يذهب أدراج الرياح ولكن الأمور تدبرت لتمشيتها بقدر المستطاع فأجريت الامتحانات الفصلية والنهائية وبقي ذلك العام في رزنامة التربية والتعليم دون ضياع ، وتكرر الأمر ذاته في عام 2003 عندما شرع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لاحتلال العراق وإسقاط النظام ، وتمت اغلب الأعمال العسكرية في خضم العام الدراسي حيث انتهت من الناحية النظرية في 9 نيسان 2003 بإسقاط التمثال الصنم في ساحة الفردوس ، وفي ظل غياب الأجهزة الحكومية ووجود فراغ امني وانتشار قوات الاحتلال في الشوارع تم إنهاء العام الدراسي من خلال استكمال المتطلبات الامتحانية كافة على وفق المتوفر من الإمكانيات باستحضار الممكن وليس الطموح ، ولم تكن الأعوام الدراسية بعد 2003 مثالية نظرا للظروف الأمنية وشيوع الحروب الطائفية والتهجير وما تلاها من احتلال داعش لثلث أراضي البلاد ثم خوض معارك طاحنة للتحرير لاخراح داعش من الأراضي المحتلة ، ولكن رغم تباين قسوتها في مناطق العراق إلا إن الأعوام الدراسية أنجزت بكامل متطلباتها من الامتحانات والمقررات رغم العديد من الملاحظات على جودة الأداء هنا او هناك .
ومن وجهة نظر البعض ، فان التعامل مع العام الدراسي الحالي كان بالإمكان أن يكون بأيسر وأفضل الطرق وبما يتناسب مع ظروفنا لثلاثة أسباب ، أولها تجربة الأجهزة التربوية والتعليمية في مواجهة مختلف الظروف منذ الزحف الأول ، وثانيها إن العام الدراسي الحالي شهد مقدمات و (مقبلات) فهو متعثر منذ بدايته عندما شهدت البلاد حركة التظاهرات والاحتجاجات التي تزامنت مع بدايته في الأول من تشرين الأول 2019 ، فمن الناحية العملية إن الدراسة كانت مضطربة وغير منتظمة في العديد من المحافظات ، وثالثها إن الجائحة التي بدأت في الشهر الأخير من عام 2019 سادت دول العالم جميعا وقد حدثت مع توقيتات الدراسة في اغلب البلدان ، أي إن هناك تجارب تربوية وتعليمية متنوعة اعتمدتها دول العالم جميعا بما يناسبها وبشكل يتيح الإمكانية في الاستفادة من قرارات هذه الدول واختيار ما يناسبنا بهذا الخصوص ، وبما يعني إن الارتباك في اتخاذ القرارات المناسبة غير مبرر إذ كان بالإمكان استثمار الوقت في إتباع انسب الخيارات بدلا من الانتظار واختيار السهل الممتنع ، فالتعليم العالي اعتمدت على المنصات الالكترونية والغالبية تعلم إنها وسيلة فاعلة ولكنها صعبة التطبيق في العراق ، لان التعليم كانت ترفضها ولا تعترف بشهادات التعلم عن بعد ( E- Learning ) وهي غير مدرجة في برامج دورات طرائق التدريس ولا تتوفر مستلزماتها للعديد من التدريسيين ( من حيث المقدرة والمهارة ) ولأغلب المتلقين ( من حيث المستلزمات والرغبة في التعلم ) و تصطدم بعقبات فشل منظومات الانترنيت وصعوبات توفير الكهرباء على مدار اليوم وغيرها من الأمور المعروفة للجميع ، كما إن التربية اعتمدت درجات نصف السنة لطلبة الصفوف غير المنتهية التي لم ( تحبر ) ولم تعلن نتائجها في اغلب المدارس ولم يصادق عليها المشرفون المعنيون ، وعندما تضايقت بالوقت اعتمدت ذات الأسلوب لطلبة السادس الابتدائي ، وقد تجد نفسها ملزمة بتطبيقه على طلبة الثالث المتوسط كبديل عن البكالوريا التي تحتاج إلى حذر شديد في التعامل مع امتحانات تشمل قرابة نصف مليون في عموم العراق ، ومن تباشير عدم توفر الإمكانيات لتنفيذها هو تأجيل الامتحانات التمهيدية للخارجيين الذين لا يشكلون 1% من المجموع .
لقد استبعدت وزارتي التربية والتعليم خيار تأجيل العام الدراسي الحالي وتم استخدام خيار الترحيل الذي هو تلطيف لعبارة الزحف او العبور ، فالتربية تقول إن الطلبة سيتم ترحيلهم وقد امضوا نصف السنة على الأقل والبعض استفاد من الدروس الالكترونية ( حتى وان كان البوبجي والفيس يحتلان أكثر الاهتمامات ) ، ولكنها لم تحدد الكيفية التي سيتم بها تعويض المواد التي لم تتم تغطيتها او الفصول المحذوفة لأنها ستؤثر على مستويات الطلبة في الصفوف والمراحل اللاحقة عند الإبقاء على ذات المناهج بلا تغيير ، كما إن هناك صعوبات ستظهر عند توزيع الطلبة على الفروع في الرابع الإعدادي ومثلها صعوبات ستنشأ عند تنفيذ امتحانات السادس الإعدادي التي لها أهمية بالغة في تحديد مصير ومستقبل الطالب حيث لايزال بلدنا يعتمد على المعدل الوزاري ودروس المفاضلة كأساس في اختيار التخصصات في الجامعات ، وهي امتحانات مهمة قد تتزامن مع ذروة الصيف بموجب التوقيتات الحالية وربما ستتقاطع مواعيدها مع توقيتات التعليم الجامعي باعتبار إن التربية تتخذ من الجامعات مكانا لامتحانات الذكور ، ويمكن إيجاز فوائد القرارات التي اتخذتها التربية بهذا الخصوص إنها ضمنت عدم تأجيل العام الدراسي ، وتداعيات هذه الغنيمة لم تعلن تفاصيلها وربما تركت للأحداث اللاحقة لكي تبرمج توقيتاتها وتفاصيلها بنفسها اوتبعا للظروف ، أما التعليم العالي فقد حزمت أمرها بعد إن اكتشف الكثير إنها كانت متعجلة في اعتماد نظام المقررات ، وإنها ستعتمد على درجات الفصل ( او الكورس ) الأول وتنفذ فصلا مكثفا كلما سنحت الفرصة او الاعتماد على البديل وهو التعليم الالكتروني الذي يقدر بأنه نجح بنسبة 40% دون الاستناد على معيار في تحديد هذه النسبة التي اعتبروها تفاؤلية ، وقد عولت التعليم أيضا في الاعتماد على الاختبارات الالكترونية لتحديد مستويات الطلبة ومدى أهليتهم للنجاح او التخرج ، رغم علمنا المؤكد بعدم إمكانية التعويل على الشبكات المحلية للانترنيت في تنفيذ الاختبارات بطريقة ( On line ) لأنها أخفقت في اختبارات بسيطة ولمجموعات محددة في مناسبات سابقة كاختبار الكفاءة في اللغة او الحاسوب مما اضطر لتحويلها إلى ( off line ) استجابة للأمر الواقع ، ناهيك عن تجاربنا المحلية في معالجة الغش الأمتحاني على مستويات التعليم كافة والتي باتت معروفة للمعنيين ، وهذه الحقائق لم نطرحها لغرض إحباط الجهود وإنما لجعل مساراتها منسجمة مع واقعنا لتكون في درجة الفاعلية المطلوبة ، وما دام متخذي القرار قد عزموا على تمرير العام الدراسي الحالي من دون تأجيل على سبيل الإصرار ( كأفضل خيار ) ، فان الواجب المهني والوطني يفرض على الجميع التخطيط للقادم لتعويض ما تم حذفه وعبوره ، لكي لا تبقى مثلبة كبيرة في التربية و التعليم على غرار نتائج زحف 1959 الذي امتدت آثاره لعقود وليس سنين ، وكورونا كجائحة ستغادر يوما كلا او جزءا ونتمنى أن تعالج تداعياتها التربوية والتعليمية بعقل وحكمة وليس كذكريات تمر كمرور الكرام .

أحدث المقالات