كمش
عندما نتأمل كلامنا العاميّ ولهجتنا المحليّة نجد في كثير منه معاني بليغة ومباني رصينة، وان الإلتزام في استعمالها – في خضم التعبير العامي عن أفعال وممارسات تؤصل التفاهم الاجتماعي- مؤشر على قوتها الدلاليّة، ويبدو أنها لكثر اجترارها على الألسن فقدت جذوتها في الاستعمال الكتابي او الكلامي في الفصيحة، أي لم نوظفها مع قوتها واقتدارها على بلوغ المعنى وبلاغته.
في السوق، إذا فرَّ بوّاق (حرامي) نسمع صوتا: أكمشه أكمشه. يحمل في طياته دلالة على حدث جلل، أخذت فيه حقوق بقسوة على حين غرّة، وفيه دعوة جادّة بسرعة الإمساك به، وشجاعة الممسك وعزمه وقوته. وهي تدل على الجمع، قال الجوهري: فإن صر أخلافها كلها جمع. قيل : أجمع بناقته وأكمش. الصحاح -ج 1 – ص 277
الكمش : السعي . أي أسرع وعجل ، ففي ما وعظ به لقمان ابنه : يا بني، جَدِّدِ التَّوْبَةَ فِي قَلْبِكَ واكْمُشْ فِي فَرَاغِكَ قَبْلَ أَنْ يُقْصَدَ قَصْدُكَ ويُقْضَى قَضَاؤُكَ ويُحَالَ بَيْنَكَ وبَيْنَ مَا تُرِيدُ . (الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 135 شرح أصول الكافي – مولي محمد صالح المازندراني – ج 8 – ص 400). وأكمش وانكمش في هذا الامر : أي تشمر وجد . * ومنه حديث على ” بادر من وجل ، وأكمش في مهل ” . * ومنه كتاب عبد الملك إلى الحجاج ” فاخرج إليهما كميش الإزار ” أي مشمرا جادا . (النهاية في غريب الحديث والأثر – مجد الدين ابن الأثير – ج 4 – ص 200). وهي بمعنى اجمع وامسك بقوّة، منه قول الامام الحسين: إن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الاجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامى هذه إن شاء الله والسلام . (مقتل الحسين ( ع ) – أبو مخنف الأزدي – ص 72 تاريخ الطبري – محمد بن جرير – ج 4 – ص 297). ومنه ان المسيب بن نجبة قام إلى سليمان بن صرد فقال رحمك الله انه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من خرج من نفسه ، فلا تنتظرن أحدا وأكمش أمرك واستعن بالله وتوكل عليه ، وقل : لا حول ولا قوة إلا بالله . (مقتل الحسين – أبو مخنف الأزدي – ص 284؛ الفتوح – أحمد بن أعثم الكوفي – ج 6 – ص 210) . ومنه قال مروان لعمرو بن العاص : إن يكن الله قد سهّل بك أمرا ، فمثلك سهّل الله به الوعر وأعان به على حسن العاقبة ، فقاربه فإنّه مؤاتيك ، ثم قال لمعاوية : أيّها الرجل إنّ الأمور قد لزم بعضها بعضا ، فاكمش أمرك ، واكتب له بما أراد ، فليس مثل عمرو يبخل عليه بالجزيل يطلبه ، فكتب له ، وقال معاوية للكاتب: اكتب لا ينقض شرط طاعة ، فقال عمرو : لا ولكن اكتب ولا تنقض طاعة شرطا .( أنساب الأشراف – أحمد بن يحيى البلاذري – ج 5 – ص 95)
وفي الأمثال : قَوْلهم: كمش ذلاذله، أَي رفع مَا استرخى من ثِيَابه وشمر فِي أمره، والذلاذل أَطْرَاف الذيل وَاحِدهَا ذلذل (جمهرة الأمثال 2/ 164) يضرب لمن تَشَمَّر واجتهد في أمره. (مجمع الأمثال 2/ 150)، (المستقصى في أمثال العرب 2/ 234). يقال: “مر تنوس ذلاذله”، إذا مر مسترخياً. فيقول: كأن خمساً منجرداً قد كمش ذلاذله، كما يكمش الرجل في الحاجة. ديوان ذي الرمة شرح الباهلي (2/ 1251)
استقصى رينهارت دوزي معاني كمش في (تكملة المعاجم العربية 9/ 27):
كمش: تناول الشيء بجمع يده.
كمش: كَمشَ: أمسك، قبضَ، خطف، أمسك بسرعة وقوة؛ صار يكمش ويعطي: يعطي المال بسخاء (بوشر). أو يعطي المال بملء يديه.
انكمش: ضاق وتضيق، تقّلص، قصّر . وكذلك عند الحديث عن أحد البلدان: انكماش الولاية ( (القلايد 53، 13): هذا على انكماش ولايته، وقلة جبايته، فإن نظره لم يزد على امتداد ناظر .. . الخ.
انكمش: أصبح مقطباً كئيباً نكد المزاج بخلاف انبسط (المقري 192:1، 12 – 227:2، 8).
انكمش بالجبل: انسحب واعتصم به (المخطوط المجهول ص98): لما تبين انكماش أعدائه بالجبل.
انكمش عن: تجنّب (البربرية 1؛ 563، 6): منكمشاً عن زحف بني مرين أي متجنباً لقاءهم.
انكمش إلى: تعلق ب، تشبث ب، تمسك ب (بوشر).
كمشة: ملء اليد، حفنة، قبضة (بوشر، محيط المحيط، مارتن 151)؛ كمشة ملآنة ملء اليد (بوشر)؛ وجمعها كمش، بالكمش أي حفنات. أعطى بالكمش (أعطى ملء الأيدي من النقود).
كمشة: هي ممسك الأرواح، الضومران (في أفريقيا) (معجم المنصوري مادة اسطوخدوس).
كمّاشة: مِلقط، مِلزمة، كلابة (بوشر همبرت 86) كمّاشة: مدمة، مكدّ، ممشاط (هلو).
. والزبيدي في( تاج العروس – ج 9 – ص 187 – 188)[ كمش ] : الكَمْشُ والكَمِيشُ : الرّجُلُ السَّرِيعُ ، يُقَال : رَجُلٌ كَمْشٌ وكَمِيشٌ ، أَيْ عَزُومٌ ماضِ سَرِيعٌ في أُمورِهِ ، وقَدْ كَمُشَ ، ككَرُمَ يَكْمُشُ كَمَاشَةً ، قال أَبُو صَبِرَةَ : اعْلِفْ حِمَارَكَ عكْرِشَا * حَتَّى يَجِدَّ ويَكْمُشَا. والكَمْشُ والكَمِيشُ : الفَرَسُ الصَّغِيرُ الجُرْدَانِ ، وقال أَبُو عُبَيْد : الكَمْشُ مِنَ الخَيْلِ : القَصِيرُ الجُرْدان ، والجَمْعُ كِمَاشٌ وأَكْمَاشٌ . وإِنْ وُصِفَتْ بِهِمَا الأُنْثَى فالصَّغِيرَةُ الضَّرْعِ. والَّذي في العَيْنِ : الكضمْشُ إِن وُصفَ به ذَكَرٌ من الدّوابِّ فهو القَصِيرُ الصّغِيرُ الذَّكَرِ ، وإِنْ وُصِفَتْ به الأُنْثَى فهِيَ الصَّغِيرَةُ الضَّرْعِ ، وهي كَمِيشَةٌ ، ورُبما كانَ الضَّرْعُ الكَمْشُ مَعَ كُمُوشَتِه دَرُوراً ، وأَنشد : يَعُسُّ جِحَاشُهُنَّ إِلَى ضُرُوعٍ * كِمَاشٍ لم يُقْبِّضْهَا التَّوَادِي وقال الكِسَائِيّ : الكَمْشَةُ مِنَ الإِبِلِ : الصَّغِيرةُ الضِّرْعِ . وشاةٌ كَمُوشٌ وكَمِيشَةٌ ، كَذَا في النُّسَخ ، وخَصّ الأَصْمَعِيُّ كَمْشَة : قَصِيرَة الخِلْفِ فَلاَ تُحْلَب إِلاَّ بمَصْرٍ ، قَالَهُ الأَصْمَعِيُّ ، أَو صَغِيرَةُ الضَّرْعِ وكذلِكَ ناقَةٌ كَمُوشٌ ، سُمِّيَتْ لانْكماشِ ضَرْعِها ، وهُوَ تقَلُّصُه . والأَكْمَشُ : الرجُلُ لا يَكَادُ يُبْصِرُ ، عن أَبي عَمْروٍ . وقيلَ : الأَكْمَشُ : القَصِيرُ القَدَمَيْنِ ، وقَدْ كَمِشَ ، فيهما ، كفَرِحَ . وكَمَشَهُ بالسَّيْفِ ، إِذا قَطَعَ أَطْرَافَه ، نقله الصّاغَانِيُّ ، مِثْلُ كَشَمَه . وكَمَشَ الزّادُ : فَنِيَ ، وهو مَجاز . ورَجُلٌ كَمِيشُ الإِزَارِ : مُشَمَّرُهُ ، جادٌّ في الأَمْرِ ، وهو مَجَازٌ . وأَكْمَشَ بالنّاقَةِ : صَرَّ أَخْلافَها جُمَعَ ، أَيْ جَمِيعَ أَخْلافِهَا . وكَمَّشَهُ تَكْمِيشاً : أَعْجَلَهُ ، فانْكَمَشَ . وكَمَّشَ الحَادِي الإِبِلَ تَكْمِيشاً : جَدَّ في السَّوْقِ . وتَكَمَّشَ الرجُلُ : أَسْرَعَ ، كانْكَمَشَ ، وهُمَا مُطَاوِعان لكَمَّشْتُه تَكْمِيشاً . وقال الأَصْمَعِيُّ : انْكَمَشَ في أَمْرِهِ وانْشَمَر . وقال أَبُو بَكْرٍ : مَعْنَى قَوْلِهمْ : تكَمَّشَ الجِلْدُ ، أَيْ تَقَبَّضَ واجْتَمَعَ . * ومِمّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه : كَمِشَ الرجلُ كَمَشاً : لُغَةٌ في كَمُشَ ، ككَرُمَ ، أَيْ عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ . والكَمِشُ ، ككَتِفٍ ، لُغَةٌ في الكَمْشِ ، بالفَتْح ، عن الكسائِيّ . وأَكْمَشَ في السَّيْرِ والعَمَلِ : أَسْرَعَ . نقلَه ابنُ القَطّاعِ ، ومنْهُ حَدِيث عليٍّ بَادَرَ مِن وَجَلٍ ، وأَكْمَشَ في مَهَلٍ . وقال سيبَوَيْه : الكَمِيشُ : الشُّجَاعُ ، كَمُشَ كَمَاشَةً ، كَما قالُوا : شَجُعَ شَجَاعَةً ، كما قالَه ابنُ سِيدَه . وخُصْيَةٌ كَمْشَةٌ : قَصِيرَةٌ لاَزِقَة بالصِّفَاقِ ، وقَدْ كَمُشَتْ كُمُوشَةً . وضَرْعٌ كَمْشٌ بَيِّنُ الكُمُوشَةِ : قَصِيرٌ صَغِيرٌ . وامرأَة كَمْشَةٌ : صَغِيرَةُ الثَّدْيِ ، وقد كَمُشَت كَمَاشَةً . وانْكَمَشَ في الحَاجَةِ : اجْتَمَع فيها . وقَدْ سَمُّوْا كَمِيشاً ، كأَمِيرٍ . وكَمَّشَ ذَيْلَه تَكْمِيشاً : قَلَّصَه .
وهي من الأسماء: قال القلقشندي: والنهر الثاني – يسمّى ( منرباشي ) في قدر الفرات ، يشقّ المدينة ويمرّ في جامعها ، وبها جبل عظيم اسمه ( كمش ) به معدن فضّة سمّي باسم الفضّة . (صبح الأعشى في صناعة الإنشا – أحمد بن علي – ج 5 – ص 327). قال ابن بطوطة: ثم سافرنا إلى مدينة كمش وهي من بلاد ملك العراق مدينة كبيرة عامرة يأتيها التجار من العراق والشام وبها معادن الفضة . (أدب الرحلات – ص 287). وسمي بها جارية ابن الدولعي: كمش التركية (ت668هـ) ،. تاريخ الإسلام – الذهبي – ج 49 – ص 246
مصادر لغوية: القاموس المحيط – الفيروز آبادي – ج 2 – ص 286 – 287 ؛ لسان العرب – ابن منظور – ج 6 – ص 343؛ ترتيب إصلاح المنطق – ابن السكيت الاهوازي – ص 213؛ الكتاب- سيبويه 4/ 32 ؛ المنتخب من كلام العرب (ص: 226)؛ العين (5/ 300)؛ غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 539)؛ جمهرة اللغة (2/ 878)؛ الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 152)؛ تهذيب اللغة (10/ 22)؛ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 1018)؛ مجمل اللغة لابن فارس (ص: 771)؛ مقاييس اللغة (5/ 138)؛ المحكم والمحيط الأعظم (6/ 694)؛ المخصص (1/ 264)؛ كتاب الأفعال (3/ 80)؛ أساس البلاغة (2/ 146).
مصادر تاريخية: تاريخ الطبري – محمد بن جرير الطبري – ج 4 – ص 453؛ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك – ابن الجوزي – ج 6 – ص 35 ؛ أنساب الأشراف – أحمد بن يحيى بن جابر ( البلاذري ) – ج 3 – ص 167 ؛ الإرشاد – الشيخ المفيد – ج 2 – هامش ص 70؛ تاريخ الإسلام – الذهبي – ج 49 – ص 254؛ ربيع الأبرار ونصوص الأخبار – الزمخشري – ج 5 – ص 404؛ تجارب الأمم – أحمد بن محمد مسكويه الرازي – ج 4 – ص 71.
مصادر عامة: عيون الحكم والمواعظ – علي بن محمد الليثي الواسطي – ص 360؛ نهج البلاغة – خطب الإمام علي ( ع ) – ج 1 – ص 142؛ شرح نهج البلاغة – ابن ميثم البحراني – ج 2 – ص 255، ج 5 – ص 349؛ شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 6 – ص 266 – 267؛ مصادر نهج البلاغة وأسانيده – عبد الزهراء الحسيني – ج 4 – هامش ص 172؛ بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 70 – ص 72؛ معارج نهج البلاغة – علي بن زيد البيهقي – ص 159؛ المجازات النبوية – الشريف الرضي – ص