23 ديسمبر، 2024 12:29 ص

العالم يتذكر جرائم الإبادة الجماعية، فلنتذكّر الفلوجة و الموصل وما بينهما

العالم يتذكر جرائم الإبادة الجماعية، فلنتذكّر الفلوجة و الموصل وما بينهما

في 9 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يحييّ المجتمع الدولي، رسمياً، “اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا جرائم الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة” الذي إتخذته الجمعيّة في أيلول/سبتمبر 2015، الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لاعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها عام 1948.

وعلى الرغم من أنّ الدول الأعضاء قد أجمعت، في الإتفاقيّة، على ان تأخذ كل دولة على عاتقها حماية سكّانها من الإبادة الجماعية، ويتضمن ذلك “منع” إرتكاب هذه الجريمة ومنع التحريض عليها، إلاّ أن العكس قد حصل في دول عدّة.

وحسب المادة الثانية من إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها، فأن الأفعال المُرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعةٍ قومية أو اثنية أو عنصرّية أو دينية، والتي من بينها: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذىً جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروفٍ معيشية يُراد بها تدميرها المادّي كليّاً أو جزئياً، قدّ طُبِّقت في العراق بصورة أو بأخرى، وفي مناطق محدّدة، وبإستهداف مكوّن محدّد، من قبل الحكومة بمختلف أجهزتها العسكرية والأمنيّة والميليشياوية.

فالحكومة، هي من حرّض على، وخطّط وساهم في إرتكاب جرائم تصل الى “الإبادة الجماعية”. ولعلّ ما حصل في الفلوجة في 2004 و2016 لم يكن سوى البداية لجرائم أخرى حدثت في الرمادي والمقدادية وجرف الصخر، حيث كان إستهداف “مكوّن” معين هو الباعث على إرتكاب تلك الجريمة والدال عليها بنفس الوقت.

وبدا الأمر اكثر وضوحاً في جريمة الإبادة الجماعية التي أُرتكبت ضدّ المدنيين في الموصل بعد سيطرة داعش الإرهابي عليها. حيث يمثل إصرار السلطات على استخدام القوة العسكرية الهائلة، وغير المتناسبة مع الأهداف المُراد معالجتها دليلاً على نيّتها في إستهداف أبناء الموصل بإعتبارهم، ايضاً، من “مكوّن” معين يجري إستهدافه بالقتل والتهجير والحرمان من أبسط مستلزمات العيش.

فقد شارك الطيران، والمدفعية الثقيلة، والقوة الصاروخية في قصفٍ عشوائي كثيف ومستمرّ لأشهر للمناطق الآهلة بالسكّان، وبمشاركة طيران وقوات ما سمّي بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدّة الأمريكية.

كما إستهدف القصف كل البُنى التحتية والمؤسسات الطبّية والخدمية، ومخازن الغذاء، وتُرك السكّان يتضورون جوعاً. وتُرك الجرحى منهم دون علاج حتّى ماتوا، وتُركت جثث القتلى، وهي بالآلاف بين الأنقاض، وبعد مرور ثلاث سنواتٍ على التحرير المزعوم، ما يزال السكّان، والمنظمّات الإنسانيّة، يحاولون إستخراج الجثث التي ادّى تفسخها إلى إنتشار بعض الأمراض.

امّا من إستطاع الهرب من هذا الجحيم، فقد تعرّض إلى أسوء معاملة على أيدي ميليشيات الحشدّ الشعبي التي كانت تتربّص بالهاربين على مشارف المدينة، وعاملتهم على أنّهم افرادٌ من داعش أو متعاطفون معها. وبذلك فقد تعرّضوا للقتل والتعذيب والإخفاء القسري، في حين تُرك النساء والأطفال وكبار السن، دون مأوى، وظلّوا في العراء لفتراتٍ طويلة.

ولعلّها مصادفة ذات دلالاتٍ كبيرة، أن رئيس وزراء العراق، آنذاك، حيدر العبادي، قد أعلن في 9/12 من عام 2017، النصر في الموصل على داعش، في حين أنّه في هذا اليوم، وما بعده، بدأ يتكشف للعالم حجم الإبادة التي أُرتكبت ضدّ أبناء الموصل تحت ذريعة محاربة داعش.

 

في يوم إستذكار ضحايا الإبادة الجماعيّة لا بدّ من تذكّر كل ضحاياها في العراق، والإصرار على مواصلة العمل، على كل الأصعدة، من أجل محاسبة كلّ المسؤولين والمشاركين بالتخطيط وبالتنفيذ لهذه الجرائم.