في خضم التحول العالمي نحو احترام الانسان وحقه في الحياة وحريته سواء، حريته الفردية او حريته في ما يؤمن وفي ما يريد ويرغب بالاضافة الى حريته في العيش الكريم وارادته في اختيار من يحكمه ويُسير شؤون بلده، وهو بالتاكيد تحول عميق في التفكير وفي السلوك وفي القوانين التى تدعم تلكم الاهداف. في القرن العشرين الى حد ما وفي القرن الحالي بشكل كلي، حيث يشهد العالم هذه التحولات والتى لم تزل على ذات المسار تتقدم باطراد لجهة المشاركة الانسانية في جميع بقاع الكرة الارضية، وهنا نقصد الانسانية بعيدا عن هيمنة الامبريالية العالمية المتوحشة والتى لاتعارض هذا التحول ولاتقف ضده وفي عين الوقت تعارضه وتقف بقوة ضده. وفي الصدد هذا، تكمن المشكلة او مشكلة المشاكل في تحويل اللاواقع و اللاموضوعية واللاحقيقة الى حقائق واقعية وموضوعية بالاستعانة، اولا، بما تمتلك من اعلام او ماكنة اعلام مبرمجة وعلمية ومخطط لها سلفا بدارية ومعرفة للوطن والشعب المستهدفان من المخططات الامبريالية. ومن الطبيعي وكنتيجة لواقع الحال وضرورتها في الاقتصاد والسياسة والثقافة والجغرافية السياسية والموروثات المجتمعية والدينية؛ ان يكون الكيان الصهيوني جزء عضوي او ركيزة في الميدان العملي للمبريالزم الكوني في المنطقة العربية. وثانيا الاستعانة بما تمتلك من قدرات اقتصادية هائلة جدا. وثالثا، الاستعانة بمناطق النفوذ التى تتحكم فيها، اقتصاديا وسياسيا ومهما قيل من قبل الماسكين بدفة السلطة في بلدانهم بخلاف ذلك، ما هو إلا محض هراء وكذب فاضح وواضح ولاينطلي على احد. السؤال هنا، وهذا السؤال هو من يطرح نفسه علينا بقوة، بمقتضى الواقع الموضوعي في العالم: هل ان العالم او ان الكون العالمي بدوله وشعوبه، في ظل هيمنة الامبريالية العالمية وبالذات وعلى وجه التحديد الامبريالية الامريكية، قد استفاد من هذا التحول العميق في الرؤية الى الانسان كانسان والى الحكم والدولة والديمقراطية الحقة كحاجة انسانية يفرضها، فرضا، تطور البشر، او ان الواقع متوائم كليا مع هذا التحول او على العكس هو ومن حيث الفعل وما ينتج عنه، يختلف كليا عن هذا التحول، وهنا نحن نستثني البشرية وسفرها الخالد على طريق الوصول بالافكار الانسانية وانضاجها عبر القرون والتى ومن نتيجة هذا النضج الفكري العميق، صار الحس الانساني، مرهف ورقيق كمتحسس، شديد التحسس للعدالة الانسانية كما تفعل المتحسسات البرومامترية..لذا يلعب الامريكان بالاعلام المسيطر، سيطرة تكاد تكون كلية على صناعة موقف وراي مخالف للحقيقة والواقع، لخداع الشعوب الامريكية اولا ومن ثم شعوب الكون للكرة الارضية، ثانيا؛ بان ما قومون به ما هو ألا لخدمة الانسانية ولخدمة الشعوب المستهدفة وضد الحكام المستبدين، من اجل حرية تلك الشعوب، وما سعيهم هذا ألا لخدمة تلك الشعوب ولتوفير حياة افضل لهم. وهذا لايخص فقط الامريكان بل هناك دول عظمى وكبرى كثيرة (باستثناء الصين، ليس لانها اي الصين بلا اطماع بل لأنها ليست دولة يقودها او يرسم سياستها، اقتصاد راس المال، هذا، اولا، وثانيا، بالاضافة الى ان الصين لم تضع حتى هذه اللحظة ونعتقد من انها، لن تضع مستقبلا، في سلم اولوياتها لسياستها الخارجية؛ تخليق مناطق نفوذ لأفكارها في حقلي الاقتصاد والسياسة والثقافة.. ولانعني في هذا؛ عدم تجسير العلاقة الانسانية بينها او بين شعوبها وشعوب دول العالم الاخرى، فالفرق كبير جدا بين الاثنين..وهي في هذا تختلف تماما عن سياسة الاتحاد السوفيتي السابق..)، لو اتيح لها ما لإمريكا، للعبت ذات اللعبة ولكن بدرجة اخف كثيرا وكثيرا جدا، فالفرق، مسافات ضوئية، بينهم وبين الامريكيين، ليس لأنهم بلااطماع بل ان قدراتهم في الاقتصاد والعسكرية اقل بكثير جدا عن ما هو موجود عند الامريكيين، وليس لهم القدرة والامكانية على السيطرة والانتشار الواسع في اركان وبحار ومحيطات الكرة الارضية الاربع وادامته، فالاتحاد السوفيتي وروسيا الوريث الشرعي له، قد غزا افغانستان وجيكوسلوفاكيا السابقة.. وروسيا الحالية وفي السنوات الاخيرة، قامت بما قامت به في جوارها الجغرافي.. عليه فان هذه الدول تسعى الان الى عالم متعدد الاقطاب، لأن هذا العالم يتيح لهم فرص واسعة للمنافسة في حقلي الاقتصاد والتجارة والسياسة. في النتيجة ليس هناك في العالم ما يماثل امريكا في الاطماع والطموح للسيطرة على الدول والشعوب في المعمورة. وفي هذا الصدد نلاحظ ان الامريكيين لايهتمون بالدول التى ليس فيها ثروات طائلة او مواقع ستراتيجية، يهتمون فقط بالدول التى ابتليت اما بالموقع الاستراتيجي او بالثروات الطائلة والتى وفي اولها واهمها على الاطلاق هو النفط والعاز. يفتعلون الازمات لتلك الدول ويشددون الحصار عليها، لأجبارها اي اجبار حكوماتها على الرضوخ للمطلب الامريكي اي ان تكون منطقة نفوذ امريكية بشكل مباشر وواضح او بشكل غير مباشر ومستتر وغير واضح ولكنه في النهاية، يقع او تُوقعه امريكا في ذات الخانة. واذا عصا وتمرد على هذه الارادة الغير اخلاقية والغير انسانية وضد القانون الدولي تقوم بغزوه واحتلاله او تقوم بعد ان تذيق شعوب تلك الدول التى استهدفتها بالحصار او بالعقوبات القريبة من الحصار، مرارة الحاجة والحرمان والجوع، والامر من هذا، توظف اعلام واسع ومبرمج، لأحالة هذا العمل الغير انساني لتصرفات حكومات تلك الدول والشعوب وما يصاحب هذا العمل من تصريحات امريكية تصب في ذات المنحى.. فنزويلا وايران مثلا. أذا، ان العالم لم يغادر امبراطوريات القرون الوسطى، على الرغم من التغيير العميق في الرؤية الانسانية للبشر وارتفاع منسوب الاحترام لأرادة الانسان وحقه في الحياة الحرة والكريمة وما رافق او يرافق الان هذا التطور الكبير في العلاقات الدولية وينعكس عليها، ايجابيا، في احترام سيادة الدول من الناحية القانونية لجهة النظرية وفقرات القوانين الدولية والتى تطورت تطورا كبيرا بفعل نضج عقول البشر على مدار قرون وقرون، لكنه، نقول مرة اخرى على الرغم مما سلف، ظل العالم بدوله وشعوبه يعاني من الظلم والاعتداء وسلب ارادة الدول بحجج كثبرة، تبرران وتسوقان وتضعان الظلم والعدوان، زورا وبهتنا في خدمة الانسان وسيادة واستقلال الدول. الغريب ان تلك الحجج وكما بينا في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة، ان الامريكيين هم من صنعوها او اوجدوا الارض المناسبة لوجودها. ومن الجهة الثانية وللحقيقة ولجزء من تلك الحقيقة وليس الحقيقة الكلية في الذي يخص الاطماع الاستعمارية الامريكية، نقول: فشل الحكام في قيادة الشعب والدولة نحو افاق رحبة، سواء بالتنمية المستدامة، وهذه لاتحقق، تحققا نظيفا ونزيها ومجديا ألا ب أولا التبادل السلمي للسلطة وثانيا، حرية الكلمة والراي وحرية الافكار والاحزاب والتى تنتج السلام المجتمعي وامن الدولة والشعب، وتلك لم تتحقق حتى في الحد الادنى، مما احدث الكثير من الحفر والانفاق تحت جدار الصد الوطني للدول والشعوب العربية في اوطان العرب ، والذي نفذ او ينفذ الى الان، منه، مخطط السيطرة والنهب الاستعماريين. الشيء الاخر، الغريب والعجيب؛ ان العالم مع انه قد تحول تحولا عميقا لصالح الرؤية الانسانية، لكنه ظل ولم يغادر من الناحية الفعلية، عصور الغزو والاغارة على الدول والشعوب، او الدخول الى الغرف الداخلية للبيت الوطني لتلك الدول بادلاء بايدهم مفاتيح ابواب هذه الغرف، حتى وان كانت، هناك، فيها وهنا نقصد شعوب العالم الثالث، ديمقراطية وتبادل سلمي للسلطة اي جاءت الى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، سلفادور للندي في تشيلي، مثلا.. والامثلة كثيرة على هذا الاتجاه في السيطرة والاطماع باستخدام العقوبات الاقتصادية كطوق يماثل في تاثيراته، الحصار. وفي اول هذه الامثلة وفي الوقت الحاضر، ما تتعرض له فنزويلا من حصار امريكي عليها لدفع الوضع فيها للانفجار، على الرغم من وصول نظام الحكم الحالي الى السلطة بالانتخابات.. وبالنتيجة، تحقق امريكا ما تريد من تغيير نظام الحكم فيها الى نظام تابع لها، واذا، لم تصل الى ما تريد، يظل الشعب يعاني ويعاني..عليه لاوجود للفرق بين عصور امبراطوريات القرون الوسطى لناحية السياسة الامريكية في العالم وعصر ثورة المعلوماتية والاتصالات ورقي التفكير الانساني لجهة الاحترام الكلي للانسان..ولعقد مقارنة بين الاثنين:
1-امريكا تغزو الدول التى تريد السيطرة على ثرواتها…وامبراطوريات القرون الوسطى تفعل ذات الفعل ولو انها تغزو بشكل مكشوف وواضح وبلا غطاء مهلهل كما تفعل امريكا..
2-حين تغلق الابواب في وجه امريكا ولم يعد لها من منفذ تنفذ منه، الى تحقيق مخططها في السيطرة على شعب ما ودولة ما؛ تلجأ الى العقوبات الاقتصادية والتى هي وفي تاثيراتها، حصار اقتصادي…امبراطويات القرون الوسطى، عندما لم تتمكن من اقتحام اسوار المدن، تلجأ الى محاصرتها..
3-الامريكيون يغزون الدول والشعوب، طمعا في ثرواتها..امبراطوريات القرون الوسطى، تغزو الدول والشعوب طمعا في ثرواتها..
4- الامريكيون يغزون الدول والشعوب بشكل مباشر او بشكل غير مباشر بواسطة وكلاء؛ لجعلها مناطق نفوذ لها، تتحكم فيها سياسيا واقتصاديا… ولتوسيع دوائر سيطرتها على العالم…امبراطوريات القرون الوسطى تغزو الدول والشعوب لتوسيع امبراطورياتها..ومن الطبيعي هناك فرق من حيث الظاهر بين الحالتين ولكنها ومن حيث الجوهر، ليس هناك فرق بين الحالتين..
الشيء الاكيد، ان التحول العميق في الرؤية الانسانية في العالم، والتى تعززها وتجذرها وترسخها، ثورة الاتصالات والتى هي اي الاخيرة في توسع مستمر حتى تصل ربما قريبا الى كل بيت في المعمورة، مما يساعد العالم الحر في رؤية الحقيقة كما هي او كما حدثت وليس كما يراد لها ان تسوق من قبل الامبرياليين..باعلامهم المهيمن على منافذ الاعلام، المقرؤ والمسموع والمرئي، باعلام مضاد ولحظي ومشهدي وغير مكلف وفي متناول اليد، من ميدان الفعل وما نتج او ينتج منه، من ضرر، ليكون واضحا، امام ابصار العالم الحر. بالاضافة الى انتاج عالم متعدد الاقطاب، سوف يكون له تاثيرات كبيرة جدا في العلاقات الدولية لصالح إرادة الشعوب في الحرية والتطور بعيدا عن مفترسات المال العالمي بقيادة امريكا..وبعيدا، ايضا عن سطوة الوكلاء الحاكمون في دول العالم الثالث، حين تكون سياستهم مكشوفة بالصوت والصورة امام عيون الوطن والمواطن وكذا عقول المبحرون في سياسة الوكلاء والتى هي وفي الكثير منها، تضر بمصلحة الوطن والمواطن..لذا، ان العالم ولو بعد ردوح في القادم من الازمان، سوف لامحال يتحول الى عالم عادل ومنصف، تصنعه إرادة الشعوب بعد ازاحة سقوف التخلف وبالذات في دول الخليج العربي واخرى غيرها من الدول العربية وكسر ابواب التبعية لدينوصورات المال الامريكية وغيرها..