ربما فرح بعض البصريين بتشريع قانون (البصرة عاصمة العراق الاقتصادية)، بعد سنوات من الجدل والمناظرة والنقاش. وقد يكون هذا البعض قد شعر بالزهو لهذه المنزلة الرفيعة. فللاسم جاذبيته كما لا يخفى.
ومع أن القانون لم يفض إلا إلى استحداث مناصب عالية جديدة للمشرفين على تنفيذه، ولم يتضمن إلا دعوات لتطوير البنى التحتية للمدينة، إلا أن نواب البصرة عدوا هذا القانون ثمرة جهود مضنية انتزعوا بها اهتمام الآخرين بحقوقهم المهدورة!
وقد فات هؤلاء النواب أن هذا القانون إذا ما أخذ طريقه نحو التنفيذ –لا سمح الله – فسيقود إلى مشاكل حقيقية لا يمكن الخلاص منها.
فهي – على حالها المزرية هذه – أصبحت مقراً لهجرات جماعية للعشائر من المحافظات المجاورة، وامتلأت أحياؤها وشوارعها وأسواقها وضواحيها بالعشوائيات ومجمعات البلوك. وأصبحت مرتعاً للخارجين على القانون وعصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات واللصوص والمتجاوزين على أملاك الدولة.
وإذا كان أكثر من نصف مليون مهاجر قد هبطوا عليها غداة سقوط النظام القديم، فإن مئات الألوف قد استقروا فيها، قبل عقود طويلة، وبينهم العديد من النواب المبتهجين بصدور القانون!
وفي ظل هجرات كثيفة كهذه لم يعد من المستغرب أن تختنق المدارس والمشافي والدوائر والمؤسسات الحكومية. وتتردى أحوال منظومة الكهرباء، وشبكة المجاري، وإسالة المياه، والطرق والجسور إلى الحضيض! ولم يعد من العجيب أن ينتشر الفساد في دوائر الدولة وأجهزة الأمن والموانئ والمنافذ الحدودية. وأن تضطر الحكومة لتجريد جيش جرار عام 2008 لإعادة الاستقرار إليها.
وربما ستذهب مشاريع الإسكان – المتوقفة حالياً – لإيواء هؤلاء الوافدين بصورة غير شرعية دون أبنائها الذين ينتظرون إنجازها بفارغ الصبر. مثلما ذهبت أراضي كثيرة إليهم في ما مضى من زمان!
لا تحتاج البصرة إلى مزيد من المشاريع الصناعية والنفطية لأن مثل هذا الأمر سيعرضها لهجرات غير منضبطة جديدة. ولكنها تحتاج إلى ترحيل المتجاوزين على النظام ومنع وفود عشائر جديدة إلى المدينة. أما العواصم الاقتصادية فأحرى بها أن تكون تلك المحافظات الطاردة للسكان، الغارقة في المشاكل، المبتلية بالفقر، المصدرة للمشاكل إلى سواها من المحافظات! حتى تستعيد أبناءها الفارين إلى عواصم أخرى!