شكلت فتوى الجهاد التي أصدرها المرجع الأعلى للشيعة في العالم الإسلامي السيد السيستاني، نقطة تحول في المسار الفكري الذي هيمن على تفكير, من يتبنى البعد القومي والمذهبي كمنطلقا لتعامله مع الآخر.
على مدى أكثر من قرن والعالم العربي أسير لشعارات, لا تتناسب وإمكانات مطلقيها,فكيف بإمتلاكهم الجدية والإرادة الحقيقية للسعي نحو تحقيق ولو جزء منها!
يعتبر البعد القومي والطائفي, من أهم المرتكزات التي إعتمدتها الأنظمة الحاكمة, كبضاعة سهلة التسويق للهيمنة على عواطف الجماهير وسلب إرادتها، دون تحقيق تطلعاتها، وسحقت كرامة المواطن العربي عموما والعراقي خصوصا, تحت تلك العناوين التي قيل عنها تقدمية!
بنفس الوقت سعت الماكنة الإعلامية لتلك الانظمة, الى وصف أي حراك مضادٍ لتوجهاتها بالرجعية, وعملت على تشويه انشطتها ومحاربة رموزها, وعزلها عن واقع الحياة والتضييق عليها إعلامياً, وجعلها تحت المراقبة المستمرة.
من تلك العناوين التي تعرضت للإبادة والتشويه, والإقصاء والإبعاد عن واجهة المعترك السياسي، كانت المؤسسة الدينية في العراق, ممثلة بالحوزة العلمية وعلماءها, وتأثيرهم الملحوظ في الواقع الشيعي المنتشر في بقاع العالم.
بالرغم من إمتلاك الأنظمة القومية والطائفية التي حكمت العراق والمنطقة العربية، لجميع مسببات النجاح والتفوق, إلا ان الإخفاق كان حليفها في كل جولة، حتى بات المواطن العراقي والعربي يشعر أن تلك الصراعات والحروب, ماهي إلا لدفع الخطر عن كرسي الحكم من خطر خارجي تارة, او لإبعاد وهم داخلي يظن بخطورته تارةٍ أخرى، ولم تكن الحقيقة يوماً هي الدافع خلف أيٍ من الصراعات التي شهدها القرن الماضي, بدءاً من الإنقلابات التي شهدتها اغلب البلدان العربية ومنها العراق, مروراً بحروب النكسة التي تسببت بها القيادات الثملة, وإنتهاءً بحربي الخليج الاولى والثانية وما عانته تلك الشعوب من قسوة الانظمة, التي تدعي المثالية في تطبيقها لمباديء العرف القومي والنهج الطائفي.
بعد صدور فتوى الجهاد التأريخية من النجف الاشرف, وجدت تلك الأنظمة إنها في وضع محرج امام موقف, لمؤسسة لا تتبنى ما يؤمن به الآخرون, وشعارها في تعاملها مع الآخر أن الناس صنفان, إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق, وقبل ذلك تغاضت عن كلمتهم في وصفها بالرجعية, فدفع اتباعها باهض الثمن جراء إنتماؤهم المذهبي, يضاف إليه ان الهجمة التي تعرض لها العراق من قبل عصابات داعش, كانت تحت عناوين وشعارات هي جزء أساس من أدبيات تلك الأنظمة وجماهيرها, من قبيل تبني الفكر العروبي ومناهضة التدخل الخارجي (غير العربي) والعمل بمنهجية “السلف الصالح” فيما يخص الرؤية الشرعية ومعالجتها لقضايا الدين والحياة.
اللافت للنظر ان الفتوى قد ألقت بظلالها على نمطية التفكير, ليس في الأوساط المتدينة فحسب، بل تعدى ذلك الى الأوساط التي لا تؤمن بالبعد الروحي للأشياء ولا تتعامل به, والحديث هنا في المساحات التي كانت لوقت قريب, ترى في المرجعية وإمتداداتها الجماهيرية ما تراه الأنظمة الحاكمة, التي تصنفها ضمن خانة العدو التقليدي لها.