لكل شعب عاداته وتقاليده المتفرد بها، فهي السمة البارزة التي تميزه عن سواه باعتبارها مجموعة قيم تربوية يتمسكون بها اعتزازا بأصالتهم، زهي غالبا ما تكون مستمدة من الدين والتاريخ والحضارة والأرض، ووليدة عقول الحكماء والبسطاء وحصيلة التجارب العملية على ارض الواقع، ونحن كمجتمع عربي لدينا عادات وتقاليد ايجابية تعتبر ثروة اجتماعية خالدة قائمة بكل الأزمنة وتشكل هوية الأفراد والجماعة، يقابلها ما هو سلبي ودخيل على المجتمع ومع اختلاط السلبي بالايجابي ومع الحداثة والتطور وغزو الوسائل الشبكية التي أسهمت بتداخل الثقافات واختلاط المفاهيم، اخذ البعض يرى أن مفردتيّ العادات والتقاليد هما حجر العثرة التي تبطئ النجاح أو تقتله واليد الخفية التي تمسك بأذيال الإبداع والتطور وتسجنه، فغدا العذر والحجة التي تخرس العقل النشط وتسكت كل من يتهمه بالإخفاقات والانكسارات، وعكاز يتعكز عليه الكسالى، فبات الكثير يرددها دون معرفة معناها وجوهرها الحقيقي.
فما هو معنى العادات والتقاليد وكيف نفرق بين السلبي والايجابي؟ وهل الإنسان فعلا يكون سجين عاداته وتقاليده؟ وكيف نفرق بين الأصيل والدخيل منها؟. هذه التساؤلات وغيرها حصلنا على إجاباتها المختلفة في فحواها، من أصحاب المعرفة والمختصين.
هل التقاليد أعلى مرتبة من القوانين؟
أجابنا مدرس اللغة العربية (احمد الياسري) قائلا: العادات هي جمع لكلمة عادة، والعادة: هي ما تكرر فعل ما حتى أصبح ديدنا وألفته النفوس، وتختلف العادة عن الفطرة، فالأخيرة هي خارج إرادتنا وما جبلنا عليه مثل الأكل والشرب ثم تأتي الطريقة اي العادة التي نأكل بها او نشرب.
أما التقاليد فهي جمع لكلمة تقليد ويقال قلد تقليدا وتعني: مجموعة قواعد سلوكية اجتماعية توارثها الناس من السلف الى الخلف فيكون ارتباطهم وثيقا بها، ولا يغيرونها كونهم يكنون لها عميق الاحترام والقناعة بصحتها مثل صلة الرحم، وتوقير واحترام الكبير وكرم الضيافة ورد السلام بأحسنه، والنخوة لنصرة الضعيف والمظلوم والغيرة على الأرض والعرض والألفة بين الجيران وأهل المنطقة، ومساندة أهل المتوفى والوقوف معهم ومساعدتهم ماديا وغيرها من الأمور التي تعد من التقاليد الايجابية.
وأضاف: أما التقاليد السلبية او الدخيلة فباختصار كل تقليد لا يراعي القيم الدينية الواضحة الجلية وهناك الكثير من التقاليد والموروثات التي وضعها المجتمع لتكون أعلى مرتبة من قوانين السماء والارض، مثل (اخذ الثأر فيقتل الابن او الاخ انتقاما من القاتل، إطلاق العيارات النارية في المناسبات، زواج البنت بمعيار الجاه والمال مخالفين قول الرسول (ص): (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وتعصب الجاهلية فابن العشيرة اليوم تدفعه الحمية لمناصرة ابن عشيرته ليعينه حتى لو كان ظالما على الرغم من أن الرسول (ص) نهى المسلمين عن الحمية والعصبية في قوله (من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية). وبهذه السلوكيات والمفاهيم التي تقلد دون تمحيص وتدقيق رغم مخالفتها للتعاليم الدينية يكون الإنسان سجين لعاداته وتقاليده .
وأجابتنا الأكاديمية (فاطمة مسلم) قائلة: إن الفرق بين العادات والتقاليد هوان العادات أنماط سلوكية ارتضاها الناس ودوزنوا حياتهم عليها حتى أصبحت طرق العيش الروتيني مثل طريقة الأكل والنوم والقراءة.
أما التقاليد وتعني: تقليد الجيل للجيل الذي يسبقه وتشمل كل الأعمال التي نرثها من الجيل السابق كالملبس والسلوك والتصرفات والعقائد أي الانتقال من الأجداد الى الأبناء، وأضافت: هناك فئتان من الناس من يكون سجين عادته وتقاليده ينفذها بطاعة عمياء او ينفر من كلمة تقاليد معتبرها قيود لحريته وأهوائه ولا يقيم ايجابياتها الفضيلة والمهمة في تماسك الأفراد وأحياء روح التعاون والاحترام، وانا اعتقد ان الأجدر والأصح هو التفريق بينهم والقضاء على العادات والتقاليد الدخيلة التي تلحق الضرر بالمجتمع من خلال وعيهم وإدراكهم في التمييز.
الحرية وتمرد الشباب
أما (س .ع) مدربة في التنمية البشرية فقالت: كانت العادات والتقاليد قبل الإسلام متشابكة بين الجيد والسيّئ ثم نزلت الرسالة المحمدية لتحرم ما هو منافٍ للخلق الإنساني مثل (وأد البنات والأخذ بالثأر وشرب الخمر)، وعزز وقدر وساهم في ترسيخ ما هو جيد ليقوي بنيان المجتمع كـ (إكرام الضيف واحترام الكبير والعطف على الصغير)، وهي بمثابة قواعد نسير عليها وقال الرسول (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، لكن للأسف شباب اليوم يفسرون الحرية على انها التمرد على العادات والتقاليد ومواكبة الحداثة عن طريق تقليد الغرب في سلوكه وتصرفاته وملبسه.
الطالبة زهراء الخفاجي علوم إسلامية جامعة كربلاء قالت: مع تغير الحياة ونمط العيش السريع تغيرت الكثير من الأفكار ولا بأس أن نكتسب عادات وتقاليد جديدة شرط أن لا تتعارض مع الدين الإسلامي وبنفس الوقت التمسك بتقاليد أجدادنا، وأنا أرى الكثير ممن يصور جميع العادات والتقاليد كأنه قيد يقيد حقهم بالحرية والسبب هو عدم التفريق بين ما هو دخيل وأصيل وجهلهم بما هو ايجابي وسلبي، فما نقوم به بالمناسبات والزيارات والأعياد كلها جزء من موروثنا وتقاليدنا وهي روابط اجتماعية تقوي صلة بعضنا البعض.
ختاما، علينا مراجعة ودراسة عادتنا وتقاليدنا ومعرفة ما هو الدخيل والأصيل والتخلص من الشوائب التي نخرت جسد المجتمع وأدخلته في متاهات مظلمة وأعاقت نموه الحضاري والإنساني، وجعلتنا مستهلكين أكثر مما نكون منتجين وسورت عقولنا بالرتابة والتلقين، وهذه الأنماط السلوكية المعدة مسبقا والبعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه السمحاء والقريبة من أفكار الجاهلية التي تبعها الكثير منا دون تمحيص وتمييز وتفريق الدخيل عن الأصيل والضار عن النافع ذكرهم رسول الأمة (ص) في حديثه الشريف: (بعثت بين جاهليتين لأخراهما شر من أولاهما).