للروح صفنة دائمة في التفكير بماهيةِ الذي حولها ، وبسبب هذا استطاع الانسان أن يكتشف طبيعة الموجودات وأن يضع الرؤى التي تجعله قريبا ومسيطرا على الظواهر التي تحسها روحه وتراها عينيه ، فكان أن صنع دمى الطين ومنحها القدرة الخفية لتكون آلهة يعبدها ويتخيلها وسيطا لينال ما يجعل جسده خالداً حتى بعد موته.
هذا المختصر الميتافيزيقي للوجود يجعلنا والى الأبد نبحث عن شيء نعتقد أنه يُبقينا على اتصال مع طموحنا بذلك الفردوس الذي صورته الاساطير على شكل دلمون ، وفي النصوص السماوية كجنة عرضها السماوات والارض أُعدَت للمتقين.
المتقون هو من سكنوا سجاجيدهم وأعطوا نصف ما في جيوبهم ، هذا وصف أبي للمؤمن ، أما أنا فقرأت في المؤمن صفة اخرى وهي صفة سرقتها من عباءة ابي المثقوبة ومن دمعة صديق اخترقت شظية حرب صدره ومن نحيب أمي يوم أخبروها أن نعش أخي انحدر من ارض برزان الى نخيل البستان ، فرَكنتْ الى الظل ، وتمنت أن تتحول الى شمس مستحية حتى ترى الآلهة دمعتها فلا تعيد لنا ذكرى اخرى لطروادة التي صارت قدرنا الابدي مع السيف والجنرال ولصوص صمون الإعاشة ورز القصعة.
وهكذا يسكننا الحياء في الهزيمة والانكسار الذي يسكن الفقراء ، أما بهلوانيُّ شاشات التلفاز والمتأنقين في المتاجرة ببساطة الناس فلا حياء لهم ، لأنهم امتلكوا قدرة رهيبة على خداع انفسهم قبل أن يخدعوا الناس ، وأولئك لا شمس لنهاراتهم ولاجنة تنتظرهم بالرغم أنهم في سفرهم الاسطوري بين العواصم يسكنون افخم الفنادق ويأجرون على ساحل مرمرة وكازابلانكا اضخم الشاليهات .
أعود للروح في مساءلة من هم دُعاة وبناة لأحلام الناس ، أوقفهم في صف ساحة عرضات ثكنات الجيش ، وأمسك حنجرة علي ع واخطب فيهم ، فلا أجدهم حافظين لنهج البلاغة سوى ما يؤسسون فيه جامعات راقية لا بناءهم وولائم فخمة لأعراسهم ، فأضع فوق رأس واحد من متظاهري ساحة التحرير عبارة :عجبت لرجل ليس في بيته خبز ولا يخرج شاهراً سيفه.
أتولوا عليهم مواعظ بوذا ، وانزع عنهم بدلات السهرة وقمصان غالية من محلات الكرادة والتاون سنتر والشانزليزيه والبسهم ثياب غاندي وما يرتديه عمال مساطر البناء في ساحة النصر ، فيرتدونها امام الناس ومن دون حياء ويقولون في مناظراتهم التلفازية :ها نحن صرنا مثلكم ، وفجأة نكتشف أنَ دشاديشهم خيوطها من ذهب.
إذن سأهرب من زيف أصحاب المنصات ، واصدقاء داعش بالخفاء واعود الى صفنة أبي وحياءه ، أؤسس فيها منفاي وابتعادي عن فوضى ما أراه ، ولن اكون كما مسيح السياب يجرُ في المنفى صليبه ، فذلك اذلال لروحي وخجلها ، فقط سأمضي وانا احمل على اكتافي عبارة ناظم حكمت : والمنفى مهنة شاقة يا حبيبتي ….!