22 نوفمبر، 2024 12:43 م
Search
Close this search box.

الظلم في العراق

عاد ليجد أن النظام الصدامي المقبور رقن قيده وقيد والده المتوفي، وتلك ليست المشكلة بحد ذاتها، لأن الطامة الكبرى هي في عدم فهم السلطات المختصة ورؤساءها الجدد في حل تلك المشكلة.! راجع دائرة الاحوال المدنية في منطقة سكناه، فابلغه رئيس الدائرة بعدم امكانية اجراء أي معاملة مدنية له مع بقاء الترقين على قيده المدني. سأله وكيف لي أن أحل تلك المشكلة؟ فطلب منه أن يقوم بتقديم طلب لمدير الجنسية والأحوال المدنية في مركز المحافظة. قام بمراجعة تلك المديرية وقدم طلبه عبر سلسلة من المراجعات التي تكللت بالمماطلة بين يدي أكثر من ضابط هناك ولا أحد منهم يفهم كيف يبدأ الاجراء والى من توكل مسؤولية اتمامه.! وبعد قضاء وقت طويل وانتظار دام لساعات دون جدوى، توجه لمدير المديرية الذي خرج من غرفته ووقف في باب تلك الغرفة مستقبلا من تعثرت اجراءات معاملته، فهمس في اذنه معرفا عن نفسه. بعد تلك المحاولة، نادى العميد رئيس المديرية بأعلى صوته بأسم موظفة تعمل عنده و سألها: ماذا يفعل من يرقن النظام السابق قيد نفوسه؟ فأجابت بالحال وهي ترتجف خوفا: يقدم طلبا سيدي أو أحد ذويه لرفع الترقين. فهم أن تلك الموظفة كانت لها خبرة سنين في العمل بالمديرية. وقع العميد كتابا وحوله للمديرية العامة للجنسية في العاصمة بغداد على أن يأخذه بنفسه ويتوجه به في اليوم التالي.
سافر ليلا لكي يستفاد من نهار اليوم التالي في مراجعة الجنسية العامة وفعلا تقدم بالكتاب هناك منذ الصباح الباكر، إلا أن الضباط بدورهم أبدوا جهلهم بكيفية حل الموضوع فأخذوا يحيلونه من أصغر ضابط الى أعلى منه رتبة ولكن دون جدوى. أحدهم يطلب منه أن يتوجه الى الطابق الثالث والآخر الى الطابق الخامس، وكان عليه أن يشق طريقه عبر السلالم وسط الزحام وهو مهرولا ليصل المكان، ومن ثم يقوم بالبحث عن الشخص المعني بإجراءاللازم. وبعد ساعات من الهرولة الفارغة، أمره أحدهم بالتوجه الى غرفة مليئة بأجهزة تشبه أجهزة الحاسبات القديمة التي كان قد تدرب عليها في منتصف الثمانينات عندما كان في مقتبل العمر ولازال في السنة الاولى بالكلية. سأله الضابط المسؤول هناك: هل أنت كردي فيلي من المسفرين أم سياسي؟
كاد الدوام ينتهي بنهاية الصباح ولم تحل مشكلته، عند ذاك رأى أحد الضباط برتبة عميد ومن لون بشرته السمراء، عرفه رغم رؤيته آخر مرة قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما، فتوجه إليه بسؤواله عن ما يجب أن يفعله لحل مشكلته. أشار العميد، ذو السنحة السمراء، عليه ان يقوم بأخذ كتاب من المديرية العامة للجنسية معنونا الى دائرة الواقعات في بغداد وهم بدورهم سيقومون بحل مشكلتك. توجه الى دائرة الواقعات التي تقع في مبنى قديم جدا على نهر دجلة واذا به أمام شرطي نائم على كرسيه، فأيقظه بوضع ملف أمامه. نظر الشرطي الى الملف وقال بنبرة اراد بها أن يزرع اليأس والقنوط داخل نفسه: هذه المعاملة تأخذ وقتا أقله عشرون يوما. تجهم وجهه وانفعل وسأل الشرطي بعصبية: أين مديرك؟ أجابه الشرطي بعصبية ايضا: (على كيفك ..هناك في نهاية ذلك الممر) ترك الشرطي ومشى باحثا عن مدير الدائرة، واذا به أمام رجل سمين في الستينات من عمره، ويقف أمام مكتبه صف من المراجعين يتراوح عددهم ثلاثة، أحدهم كان برتبة نقيب. وصل دوره ، فبادر المدير بالكلام بعد أن سلم عليه. كانت قعطة خشبية على مكتبه مكتوب عليها اسم ذلك المدير(صباح العزاوي). قال له بالحرف الواحد: أستاذ أنت لا تعرفني ولكن لو جاء معي شخص من قبيلتك لحدثك عني ومن أكون. فرد المدير: تفضل وأهلا وسهلا بك. سلَم له كتاب المديرية العامة للجنسية واخبره أنه ولليوم الثالث على التوالي في بغداد يتنقل من مكان لآخر وكيفية استقبال الشرطي له، واذا بالمدير ينادي بصوت عالي وجهوري بأسم ذلك الشرطي. أقبل الشرطي، فسأله المدير معنفا: هل كنت تنوي أن تأخذ رشوة من الاستاذ؟ واقعده بجنبه ليكتب فحوى الكتاب الذي صححه بعد طباعته ثلاثة مرات، وكل مرة كان عليه ان يتوجه لموظفات الطباعة اللواتي يبعد مكانهن عن موقع المدير مأتي متر وفي بناية أخرى. وقع المدير الكتاب قبل أنتهاء الدوام بدقائق، وأوصى بأن يأخذ الى مكتب الاحوال الشخصية في منطقته ليلغى الترقين.

أحدث المقالات