ضلَّ الأعمى طريقَهُ, أرتطمَ بشخصٍ مُبصِر, إستماحَهُ مُعتَذِراً ثمَّ طلبَ مِنهُ العون, فقالَ لهُ المُبصر: كِلانا ضلَّ الطريق, بيد إنكَ تبحثُ على ما لدي, تعال فعينايَّ ستُرشُدكَ إلى ما ترنو إليه, استبشر الأعمى بهِ خيراً واستلطفهُ, قال لهُ: دُلَّني إذن وأدُلُكَ؟ علَّكَ تَجِد ضالتُكَ عندي, فَتماشى واتكأ إحداهُما على الآخر.
أخذَ الأعمى يسألُ المُبصِر عن ما يبحثُ عنه, فقالَ له المُبصر: أضللتُ الطريقَ إلى ربي, وأنت؟ قال له الأعمى مُبتسِماً: لقد أضللت الطريق إلى المسجد, ثمِّ أخذَ مُستَرسِلاً حديثُهُ بخطواتٍ مُتأنية وحذِرة, وقال:
النفوس لها رموز وطلاسم, وحدهم أصحاب السماء من يستطيعون فكها, النفوس لها (كاركترات) مختلفة, وكلاً لها بصمة تختلف عن الأخرى, النفوس النقية تلتقي مع بعضها, وتأنس بلقائها, وتستوحش بفراقها, تخترق بجوانحها كُلّ الحُجُب, تقترب بنقائِها إلى فطرتها السليمة, وتلجِمُ بصفاتها جوانحها الأليمة.
تتزاحم في خيالها صورُ عالَمٌ شفَّاف, ناصِعَةُ الألق واسِعَةُ الأفق, تسبح في خليجِها تلك النفوس الطاهرة دون احتدامٍ عَنود أو غِلٍّ حقود, صورٌ في غاية الجمال, وِزِعَت على البشر قبل انبعاثَهُم إلى عالم التلوث, عالَمٌ بدأَ من عائِلَةٌ واحدةٌ, أغوَت فيها الأم زوجَها, وقتلَ فيها الإبن أخيه, في ولادة انغماس الأنانية والوسواس, وانبعاث الظلام إلى الناس.
كَبُرت هذه العائلة وكبُرَ فيها الظلم والجور, واتسعت نقطة الدمّ وذُبِحَ حبلُ اللـ المتين من الوريد إلى الوريد, وَسَحَقَت حوافِر الظلام صدرَ النور العظيم, عِندها لوِثَت صور ذلِك العالَمُ النقيّ,وتبعثرت ألوان الجمال, وتلاعَبَ بأرقامِ النفوس وتراخيص أقفالها المقدسة.
قاطَعهُ المُبصِر بقولهِ: إذن أين الطريق؟! فقال له: طُرُق المُدَّعين إلى اللـ كثيرة, لكنَّ صراطهُ واحِدٌ مُستَقيم, إعلم إن أيّ انحراف عند نقطة البداية, وإن كانت بمقدار شعرة, سَتذهِب بكَ بعيداً عن نقطة النهاية, وستلقي بك إلى الهاوية, وتَحسَبُ أنكَ تقترب والفجوة تَكبُر, وإنك تبتعِد كلما تقدمت, أترك الباطل والتزم الحقّ, تبرأ من القاتل ولازم المقتول, خاصم الظالم وانصر المظلوم, عندها تجِد اللـ .
قال المُبصِر ووجهُ يتلألأ فرَحاً: ها قد أوصلتُكَ إلى ضالَّتُكَ مِثلما أوصلتَني.