الظلـــم وصناعة النموذج العادل

الظلـــم وصناعة النموذج العادل

أمام الله:

إن أخطر نتائج الظلم على الظالم نفسه خاصة عندما يظلم استقواء على من ليس له عزوة تردع الظالم، عندها سيكون الظالم أمام الله مباشرة وهو يحمل ظلما تسديده يتمنى له انه لم يك شيئا، فالظالم يظلم نفسه بظلمه للآخرين لانه يفقد الكثير بما لا يربح مقابله وقد يدخل الجنة بحسناته أناس ظلمهم كذلك يفعل الكيان وهو يمزق إنسانية الإنسان.

العلاقة مع الله تمثل حالة التوازن القيمي والتعاملات وتقود السلوك الهادف المبني على قيم لانها مصلحة الإنسان عندما يكون عمله ومعاملاته من خلال طلب رضا الله وليس نفاقا من اجل مصلحة آنية فان غابت المصلحة ساء السلوك أو على الأقل خرج من الاهتمام.

المجتمع:

التعامل مع القيم لابد أن يكون عقلا تروض معه الغرائز، أما إثارة الغرائز بلا وجود واقع يتفاعل معها أو قيم فاعلة في المجتمع فهو محض تحفيز يولد البلادة واعتياد مخالفة القيم عن علم ومعرفة بها، فالقيم غير الفاعلة لا تتفاعل مع السلوك بشكل راسخ وهنا لا يختلف الفاسد والناسك فالكل معرض للزلل، ولهذا نجد الوعاظ في المنابر يستثيرون غريزة التدين في ظنهم انهم يصلحون الناس، لكن الحقيقة أن الناس بعد خفوت الاستثارة تواجه واقعا ليس ما استثار مشاعرهم فاعلا، وربما الخطيب نفسه ينزل من المنبر شخصا آخر براغماتيًّ.

القيم كأي زرع طيب يحتاج بيئة ورعاية والأهواء كالأدغال لا تحتاج الكثير لتملئ المكان، إن القيم تحتاج أن تكون في القلوب المفكرة لا العواطف والانفعالات، أي تكون لها فلسفة ورؤية في أهمية السلوكيات المنبثقة عنها لبناء المجتمع وأمنه، التعامل إن ابتعد عن الله فالسلوكيات لن تكون إلا مرتبطة بما ينفع الفرد، لكن تضبطها القوانين بالعقاب…. لكن إدراك الأفراد أن الالتزام بالقيم هو سلامة للمجتمع وهم منهم سيؤدي إلى انضباط يصبح في السلوك كالعادات والتقاليد، أما إن اتفق الحاكم والمحكوم على سوء التعامل مع الله والقيم فهو ظلم لأنفسهم قبل أي أحد ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ {هود: ١٠٢}.

لماذا الازدواج السلوكي:

ما ذكرنا هو أساس الازدواج السلوكي عند اختلاله، لكل منظومة قيم آليات حماية لسريانها، ولكل نظام آليات تطبيق، الاجتزاء يشوه ويضعف ويلاشي الفعل المؤثر لاي منظومة وليس للقيم فقط، فعندما تريد تطبيق النظام الرأسمالي، فلابد من تغيير تفكير المجتمع وتهيئة أدوات النظام من منظمات ومنظومات وتطبقه كنظام متكامل، أما اجتزاء الآليات كالديمقراطية أو السلوكيات الليبرالية أو اجتزاء من اللب كالتعامل مع حالة في الاقتصاد أو البنوك أو أي جزئية، فهذا ظلم للمجتمع وان كانت النية الإصلاح.

نفس الكلام صحيح على النظام الشيوعي الذي لم يصل للتطبيق لانه عجز عن تجاوز مرحلة الاشتراكية والنتيجة انه اتعب المجتمع بلا آليات الرضا واستخدام العنف والاضطهاد لفرض سلطته بل اغلب من اعتنقها في بلداننا وجدها وسط ملائم لنمو بكتريا وحشيته ووضاعته ومنهم من ظن بانها الدرب الرشيد لكن لم تصل من قناعات حتى عند قادته في مرحلة التنفيد وإسقاط الفكرة على الواقع فنجد التحول الفجائي نهاية القرن مقابل الدخول الثوري في بداية القرن.

نفس الكلام يقال لمن يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية مثلا وهو يأتي بأحكام غائبة لقرون ومنقطعة لألف وأربعمائة عام لم تتجدد ولم تفتح مثاني جديدة، فهذا ظلم للمجتمع ووسيلة لانحرافه ونشر النفاق وفشل النموذجالمطلوب لفجر الإسلام، لكن ما يملك المجتمع عاطفة وغريزة تدين فان لم يطبق ما يناسب العصر فقد اثبت التجربة حصول ارتداد ولدرجة الإلحاد والكفر لان النموذج الذي قدم هو نموذج مشوه قاصر يطبقه أناس عقيمي التفكير والإبداع تعمدا أو جهلا هذه محاورة أخرى للتقييم

من الأولى صنع النموذج بما يعزز غريزة التدين لتكون مشبعة بفعل إيجابي وتقوية الانتماء الشعوري إلى انتماء حقيقي ليكون مجتمع صحيح سليم ليس فيه من الأمراض ما تسيطر عليه وتفشل النموذج الذي سيكون قابلا للتوسع والتطوير

الحالة نفسها ممكن إذا أن تكون ظلما إن وضعت كقالب جاف تريد أن يتشكل وفقه المجتمع، وهي تكون عدلا عندما تبنى الحياة بأسلوب صحيح لا فرض ولا جبر وإنما للإنسان أهليته يرشد إلى الطريق الصائبة ولا يجبر عليها لانه قد يرفضها بداية لكنه سيعود لها عند توزن منظومته العقلية أما إن اجبر فسيكفر وان لم يعلن كفره، وهنا نرى الخيط الرفيع بين العدل والظلم يتعلق بسلوك الفرد والمجتمع والدولة التي مهمتها الإنسان نفسه وتوفير الأجواء لأهليته وبرامج التفكير والتطوير وتقديم القدوة والنموذج للمجتمع بفهم وعلم ورضا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات