عقد مجلس النواب جلسة استضاف فيها السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء لتقديم الاصلاحات التي وعد بإجرائها ، إذ أعلن قبل أكثر من شهر عن نيته بإجراء تغييرات جوهرية تتضمن تغييرا في المناصب الوزارية والقيادية لكي يستعين بالتكنوقراط بدلا من المحاصصة التي جلبت الفساد والخراب ، وفي الوقت الذي انتقد فيه الكثير هذه التوجهات باعتبارها انقلابا على العملية السياسية ، فقد راهن العبادي في مطلبه هذا على المتظاهرين الذين لم ينقطعوا عن التظاهر في كل يوم جمعة منذ ستة أشهر ، وعندما راح البعض يستخف بحجم وتأثير التظاهرات التي قالوا إن عددها لا يتعدى المئات ولا تمثل الشعب ، فقد دخل السيد مقتدى الصدر على الخط ليعلن عن تضامنه مع المتظاهرين ووقوفه إلى جانب العبادي في الاصلاحات ، فقاد تظاهرة مليونية بساحة التحرير في بغداد ولأن الاستجابة لم تتم لها بسرعة فقد منح مهلة إذا انتهت فانه سيقود اعتصاما قرب المنطقة الخضراء تمهيدا لاقتحامها ، وقد نفذها أتباعه والعديد من العراقيين بالفعل ثم أعلن عن اعتصامه سلميا داخل أسوار تلك المنطقة ، كما أعلن انه سيحول الاعتصام إلى شكل آخر إذ لم تتخذ خطوات جدية نحو الإصلاح ضمن المهلة التي حددها والتي تنتهي الخميس 31 / 3 / 2016 .
وفي الكلمة التي ألقاها السيد العبادي في مجلس النواب ، أعلن إن إصلاحاته تتضمن دمج بعض الوزارات ليكون عددها 16 وزارة ، وانه شكل لجنة لاختيار 14 وزيرا بدلا من الوزراء الحاليين أي إن التغيير سيشمل جميع الوزراء الحاليين ، باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية حيث طلب تأجيل التغيير بالوزارتين بسبب الظرف الأمني الذي يمر به البلد في محاربته للإرهاب ، كما أعلن انه يحمل ظرفا مغلقا يحتوي على أسماء الوزراء المرشحين وسيرهم الذاتية وان هذه الأسماء قد تم اختيارها من لجنة محايدة قد راعت تمثيل المكونات لأنه ملتزم بالدستور ، ولكن اختيارها تم على أساس والكفاءة والتخصص والانجازات التي حققوها وهم لا ينتمون إلى جهات حزبية أو سياسية ، وقد ترك لرئاسة مجلس النواب اختيار الطريقة المناسبة للتصويت عليهم ، وقد قام رئيس مجلس النواب باستلام الظرف المغلق واستحصل قرارا صوت عليه أعضاء مجلس النواب بالأغلبية يتضمن فقرتين ، الأولى التصويت على المرشحين خلال عشرة أيام بعد دراسة سيرهم الذاتية والتأكد من مطابقتهم للشروط القانونية للتكليف الوزاري ، والفقرة الثانية التصويت على تعيين الدرجات الخاصة والهيئات المستقلة والقادة الأمنيين خلال مدة شهر من تاريخ إنعقاد جلسة مجلس النواب .
وأثناء التغطية الإعلامية لجلسة مجلس النواب التي نقلتها القنوات مباشرة ، بدأت التسريبات بخصوص الأسماء ال14 للوزراء المرشحين كما تم الإعلان عن تفاصيل سيرهم الذاتية بإسهاب ، في الوقت الذي كان بعض أعضاء مجلس النواب يرفعون أيديهم وأصواتهم مطالبين بإعلان الأسماء وهم داخل الجلسة ولا يجيبهم السيد سليم الجبوري قط ، مما يعني بان الظرف المغلق ليس مغلقا بالمعنى الصحيح إذا كانت الأسماء المسربة حقيقية بالفعل ، كما إن ذلك يعني إن عامة الناس استطاعوا معرفة الأسماء قبل أن يعرفها بعض أعضاء مجلس النواب ، وفور انتهاء الجلسة ألقى السيد مقتدى الصدر خطابا من خيمة اعتصامه بارك فيها بالجهود المبذولة من قبل العبادي في تقديم الكابينة الوزارية في المهلة المحددة ، كما أعلن عن إنهائه الاعتصام ودعوة المعتصمين معه لتعليق الاعتصام بطريقة نظامية وعدم المساس بالقوات الأمنية وتوعد بالعودة إلى الاعتصام وانسحاب كتلة الأحرار من العملية السياسية في حالة عدم الإيفاء بالوعود ضمن التوقيتات المحددة ، وقد رفعت مظاهر الاعتصام بالفعل إذ نقلت الخيام من أمام المنطقة الخضراء ، كما تمت مغادرة المتظاهرين والمعتصمين إلى بيوتهم تاركين الكرة في ملعب مجلس النواب لكي يلتزم بما صوت عليه .
وفي الوقت الذي يعول فيه البعض على آمال الاصلاحات القادمة إذا كانت جادة بالفعل وتعطي تأثيرها المطلوب في إعادة العراق باتجاه البوصلة الصحيحة ، فقد تساءل البعض كيف يتم التعويل على ظرف مغلق تخللته التسريبات قبل فتحه من قبل رئيس مجلس النواب وهل يتأمل المعتصمون والمتظاهرون خيرا من وعود شبع منها الشعب لحد التقيؤ خلال السنوات الماضية ؟ ، ومن أسباب طرح هذه التساؤلات إن السيد العبادي قد عرض ثلاثة خيارات وهي قبول التشكيلة الوزارية كلا أو جزءا أو عدم الموافقة عليها ، فهو لم يحدد ردة فعله في حالة عدم الموافقة على بعض الأسماء كما انه لم يحدد مسارا أو خيارا لكيفية التصرف عند عدم الموافقة على الأسماء أو الالتزام بالمواعيد ، فذلك يعطي انطباعا انه سيبقى رئيسا لمجلس الوزراء بأية تشكيلة يوافق عليها مجلس النواب ، وإعطاء الظرف المغلق دون أن يعلن الأسماء يعني من الناحية العملية انه سوف لا يجد الفرصة للدفاع عن اختياراته عند التصويت في الجلسة التي يفترض أن تعقد بعد عشرة أيام لأنه ترك كامل الخيار لمجلس النواب ، والمسالة الأخرى التي لم يتم التطرق لها أو التصويت على جعلها من اهتمامات البرلمان تتعلق بتوفير البيئة القضائية المناسبة التي تضمن محاسبة الفاسدين واسترجاع المسروقات من المال العام ، والأجمل بما حصل حكاية الظرف ( المغلق ) فهو أمل الشعب في الإصلاح .