-1-
تدّل الاحصاءات المتداولة بين العراقيين على أنَّ نسبة الطلاق في العراق قد ارتفعت كثيراً بالقياس الى الفترات السابقة .
والطلاق – كما هو معلوم – أبغض الحلال عند الله .
واذا كان مكروها ومبغوضا فلماذا ارتفعت مناسيبُه عندنا ؟
إنّ وراء كل ظاهرة أسباباً ودوافع ، فما هي هذه الأسباب إجمالاً ؟
-2-
يرى البعض :
إنَّ نسبة كبيرة ممن يتزوجن هُنَّ من الموظفات – وقد يكون (راتبها) واحداً من الاسباب الدافعة لاختيارها – والقيام بشؤون المنزل ليس عملية سهلة ، هذا في حالة التفرغ ، فكيف مع الانشغال بالعمل الوظيفي خارج المنزل، وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف الى مشاحنات واحتكاكات بين الزوجيْن ، يأخذ فيها (الزوج) على زوجته تقصيراتها المتراكمة ، ويحتدم الصراع بينهما حتى يصل الى نقطة حاسمة ينبثق عنها القرار بالطلاق ..!!
ونحن وان كنّا لا ننكر وجود مثل هذه الحالات، الاّ أننا ننكر ان تكون هي الحالة الغالبة …
انّ الزوج الذي اختار زوجته مدفوعاً بحب الاستحواذ على راتبها الشهري، لن يتحول –عادةً- بعد الزواج الى رجل ” زاهد ” بذلك الراتب..!!
وبالتالي فانه يطبّع العلاقة مع زوجته على أساس الاستمرار لا الانقطاع.
نعم
قد تشعر الزوجة ، بالانزعاج من الاستحواذ على راتبها الشهري من دون ان تكون لها ” خادم ” تساعدها على تدبير شؤون المنزل .
ويضطر حتى ” الجَشِع ” من الرجال في مثل هذه الحالة الى القبول بالاتيان بالخادم …
-3-
وقد يعزو البعض فشل الزواج الى صغر سنّ الزوجة أو صغر سن الزوجيْن ..!!
وهذا التعليل ليس بناهض أيضا ، ذلك لأنَّ صغر الزوجين أو احدهما ، هو النادر لا الشائع الغالب في هذه الايام …
على أننا لسنا مع التأخير المصطنع ..
-4-
وقد يقال :
إنّ الظروف التي يمّر بها البلد ، تجعل الكثير من الرجال عاجزين عن تأمين ما يُطالبون به من قبل زوجاتهم …
فهم لا يستطيعون ان يشتروا لهن ما يُردن من مصوغات ذهبية ، وحلي..!!
كما انهم لا يقدرون على اصطحابهن في سفرات سياحية الى خارج البلاد!!
وهم عاجزون أيضا عن شراء الألبسة والمعدات التجميلية لهن،
وكل ذلك يقود الى الشجار فالانفصال .
وهذا التعليل كسابقيْه ، عليل كسيح …
كم امرأة عندنا تفضل ” السوار الذهبي ” على شريك حياتها، بحيث تتقبل الانفصال عنه بمجرد عجزه عن شرائه ؟!!
إنّ الشائع عندنا ، أنْ تعمد الزوجة – وبمجرد شعورها بحاجة الزوج الى المال – الى التنازل عن حليها ومصوغاتها لتأمين حاجاته ، وهي اذ تُقدم على ذلك ، تُقدم عليه بقرارٍ منها وبكل رضا ودون إكراه ..!!
-4-
وربما يقول البعض :
ان سلطة الآباء على البنات قد تجعلهم يقدمون على تزويجهن بقرار دون الرجوع اليهن ، وربما هُنّ كارهات لاختيار آبائهن ..!!
وفي مثل هذا الفرض يتعذر استمرار الحياة الزوجية .
والجواب :
ان زمن الدكتاتوريات قد ولّى دون رجعة
لا الدكتاتوريات المستحوذة على امور البلاد بأسرها ، بل الدكتاتوريات المسيطرة على أمور الأسرة أيضاً …
والمعهود ان الآباء يستمزجون رأي بناتهن عندما يتقدم اليهن من يخطبهن ..
واذا شذّ عن ذلك بعض الشُذّاذ ، فالشاذ لا يُقاس عليه …
-5-
إنّ السبب الأكبر في رأينا لازدياد حالات الطلاق ، هو غياب الثقافة الأُسرية التي تحفظ للزوج مكانته في الأسرة – باعتباره ربان السفينة – وتدعو الزوجة الى بذل أقصى الجهد في التكيّف مع وضعها الجديد ، بالنحو الذي يجعل الزوجيْن متلائمين منسجمين .
ولكنّ هذا لايعني اننا نقبل بهضم الزوج لحقوق زوجته، والنكوص عن اداء واجباته في معاشرتها بالمعروف، والعمل الدائب الحثيث لإسعادها، وتأمين الحياة الكريمة لها … والوفاء بكل المتطلبات اللازمة لذلك .
ان الذي يؤدي الى الطلاق هو حالات الخصام ، والتمرد ، والتنكر للقيم الاجتماعية والاخلاقية التي لابُدَّ أنْ تسود داخل كيان الأسرة …
إنْ الأجيال التي سبقتنا كانت تشيع مثل تلك الثقافة، ومن هنا كانت نسبة الطلاق متدنية للغاية والغريب :
إنّ الاحصاءات تدل على أن نسبة الطلاق تزداد عند ” المثقفين ” وتقل عند ” الاميين ” وأشباههم …
وهنا تكمن المفارقة .
قد يكون التحصيل العلمي سببا للغرور والمناكفة بدلاً من ان يكون سبباً للوئام والانسجام ..!!
إنّ الزوجة امانة غالية، فعلى الزوج ان يصونها حق الصيانة ، ويُعنى بها حق الرعاية …
وإنَّ على الزوجة ان تدرك ان الزوج هو راعي المسيرة وعليها ان تقف الى جنبه لتعينه في أداء مهماته على الوجه الأكمل .
ومتى ما تفهم الزوجان أسرار النجاح في حياتها المشتركة، وعملا على تحقيقها ، سارت السفينة بسلام الى مرافئ السعادة .