كباحث استهوتني الدراسات الاستراتيجية ، رحت ابحث في ماضي هذه الأمة عن سند لما نحن فيه، فلطالما هدرت دماء ودماء بسبب الطائفية المقيتة.
ولان الإسلام اليوم سني باغلبية ساحقة وشيعي باقلية متطلعة فلابد من البحث عن جذور لهذا التقسيم.
يتبع السنة أربعة مذاهب الحنفي نسبة لأبي حنيفة النعمان المولود في الكوفة عام ٨٠ للهجرة والمالكي المنسوب لمالك بن انس المولود علم ٩٣ للهجرة في المدينة المنورة والشافعي المنسوب لمحمد بن إدريس الشافعي المولود في غزة عام ١٥٠ للهجرة والحنبلي المنسوب لأحمد بن حنبل المولود في بغداد عام ١٦٤ للهجرة..ويتبع الشيعة الامام جعفر الصادق المولود في المدينة عام ٨٠ للهجرة.
استنادا لذلك فإن المذاهب تبلورت بصيغتها ومسمياتها الحالية في القرن الهجري الثاني ، اي ان خير القرون القرن الهجري الأول لم يكن فيه اثر لهذه المذاهب ،فالاسلام دين واحد وقد حذرنا تعالى في كتابه العزيز من التفرق إلى شيع وجماعات بقوله تعالى في ذم من سبق ..إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء.
وبالعودة للدوافع للانقسام الذي عليه الأمة، فلابد من الإقرار انها سياسية وليست دينية، فلم يكفر الامام علي من قاتلوه ووصفهم قبلها الرسول الكريم بالفئة الياغية وهذه مهمة لابقائها ضمن دولة الإسلام.
كما أن الحسين عليه السلام قال قولته الشهيرة لم اخرج اشرا ولا بطرا وإنما خرجت طلبا للإصلاح في أمة جدي.. وهو بذلك يقر بأن الدولة القائمة حينها دولة مسلمة لكن أصابها الخلل والاعوجاج فاقتضى ذلك التقويم.
اتخذ اشياع الحسين عليه السلام مذهب جعفر الصادق لانه من ال بيت النبوة مذهبا لهم ..وسارت الأمة فقهيا خلف الائمة الاربعة لغزارة طروحاتهم ، ولاحتكاكهم بالمجتمع ،وهي جميعها ( المذاهب الاربعة والذهب الحعفري) مذاهب فقهية لا سياسية ولا عقدية فالعقيدة واحدة وهي الإسلام.
لا يمكن لمن يحكم عقله لا عواطفه الا ان يقر أن الصراع صراع سلطة ،فالامويين اتخذوا من قميص عثمان ودمه شماعة لحربهم ضد الامام علي بحجة المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان…عثمان رضي الله عنه الذي كان ضحية لسوء إدارته للأمة وتسليط الاموين على مقالد الحكم وما تبعها من فتنة اجتاحت الأمة .كما أن من يعمل فكره يرى أن مسألة إنكار الشيعة لخلافة الراشدين تجني على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان تعظيم السنة للخلفاء وتقولهم فيمن يقدم علي على من سبقه في الخلافة تجني ايضا.
(وكان سفيان يقول: من فضّل عليًّا على أبي بكر، فقد أزرى بالمهاجرين؛ وما أرى أنه يصعد له إلى الله عمل -وهو مقيم على ذلك.)
أن جعل السلطان ايا كان خليفة أو غيره مدارا لقياس الإيمان قياس،خاطيء فاصول الإيمان وأصول الإسلام حددتها الشريعة قبل خلاف الصحابة وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه تركنا على المحجة البيضاء وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم ، فلا يعقل أن يرتبط الدين والمعتقد بأمور خلافية محدثة، كما أن علي وعمر وعثمان وابو بكر رضوان الله عليهم جميعا كانوا في زمن الرسول ولم يفاضل بينهم ولم يجعل حبهم دليل ايمان بل كان له موقفين الاول ممن خاصموا الصحابة المقربين والثاني ممن خاصمموا علي وهنا كان أشد وطئا على المخاصمين بقوله ..وال من والاه وعاد من عاداه.
من دراسة سير التاريخ الإسلامي وحركته يظهر بوضوح أن الشيعة فرقة سياسية اتخذت من مظلمة العلويين شعارا لها ، في حين حاول الحكام تحييد الاغلبية إلى جانبهم..فنسبت عموم الأمة الإسلامية إلى المذهب السني وسعى الحكام لربط العقيدة والدين بالسلطان من خلال أحاديث بعضها موضوع مثل السلطان ظل الله في الارض. اي ان المذاهب في حقيقتها بدعة لتقسيم الإسلام سياسيا بين قوى الموالاة والمعارضة ،وربما تكون أولى انقلابات المعارضة هي حركة ابو مسلم الخراساني وأتباعه لنقل السلطة من الامويين إلى العباسيين ،والذي يمثل اول ثورة أو انقلاب في تاريخ الدولة الإسلامية.
وعودا على بدء، فإن نسبة معاوية وابنه يزيد للمذهب وربطهما به اجحاف بحق دين الله …لنسلم اولا أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه حدد فترة الخلافة الراشدة ومن ضمنها ستة أشهر حكمها الامام الحسن عليه السلام وقد فصل الصلابي كثيرا واجاد في هذا الموضوع، الا اننا كعموم اهل السنة نترضى عن الراشدين الاربع متغافلين الخامس الذي تكمل فترة ولايته الثلاثون عاما التي حددها الرسول صلوات الله وسلامه عليه للخلافة الراشدة وربما تكون هذه أولى علامات سيطرة بني امية على الفكر الإسلامي السني.
كان من شروط تنازل الحسن عليه السلام لمعاوية أن تؤول للشورى بعده،الا ان معاوية خرق الاتفاق ونقض العهد واخذ البيعة عنوة ليزيد والتاريخ حافل بما فعل بمن رفضوا البيعة ،فأنا أرى أن ربط معاوية بالمذهب أو العكس تجني على دين الله . فمعاوية حاكم ،اما مقولة انه من كتاب الوحي فقد ارتد أحد كتاب الوحي ثم عاد للاسلام كما يقول ابن باز .اي ان كتاب الوحي ليسوا مخلصين بفتح اللام وقد يكونوا مخلصين للاسلام أو غير ذلك، وإنما استخدمهم رسول الله لاجادتهم الكتابة.وهذه الصفة لا تجعل معاوية مبرء أو معصوما فاخطاؤه واضحة لا ينكرها الا متعصب.واما يزيد فامره واضح وسيرته معروفة وقد رفض بعض الصحابة بيعته.
قال شيخ الإسلام رضي الله عنه : ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز ، وأما لعنه المعين فالأولى تركها لأنه يمكن أن يتوب . وقال في موضع آخر : قيل لأحمد بن حنبل رضي الله عنه : أيؤخذ الحديث عن يزيد ؟ فقال لا ولا كرامة ، أو ليس هو فعل بأهل المدينة ما فعل . وقيل له : إن قوما يقولون إنا نحب يزيد ، فقال وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر . فقيل له أولا تلعنه ؟ فقال ما رأيت أباك يلعن أحدا وفي رواية متى رأيت أباك لعانا ؟
أن معاوية قائد الفئة الباغية وابنه يزيد لا يمثلان رموزا دينية بل رموزا سياسية ،لذلك فمن التجني على دين الله ربط المذهب السني بهما ، ولكنها سطوة الحاكم والتي نرى أمثالها الكثير في عصرنا الراهن.
مخلص القول أن المذاهب الفقهية ارتهنت عند حزب الموالاة وحزب المعارضة لتفرق الأمة إلى ظهور المهدي عليه السلام الذي سيعيد دين جده ووفقا للحديث
روى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، قال: كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة. فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه. فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين – يعني عمر – بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فَسُرَّ به وأعجبه. وروى الحديث أيضًا الطيالسي والبيهقي في منهاج النبوة، والطبري ، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.