24 كانون الثاني المدعو إليه من مقتدى هو الضد النوعي لثورة 1 – 25 تشرين الأول.
وبدأت تلوح بشائر حسم إعلان الطلاق رسميا لزيجة لم يسدها الانسجام، كانت مفروضة من جانب واحد، ومقبولة عن مضض اضطرارا من الجانب الآخر.
فها هو مقتدى مشكورا يتحالف مجددا مع الأعداء الألداء لثورة تشرين، الموالين لولاية الفقيه المعادية لتطلعات الشعب العراقي، ليدعو من جمهوريتهم الإسلامية ولية أمرهم، وبالتحديد من قم، إلى مليونية ضد الوجود الأجنبي، لاسيما الأمريكي، ليس انتصارا للسيادة الوطنية المقبول انتهاكها من القوى المجتمعة في قم، بل لجعل العراق خالصا للاحتلال الإيراني، فينفرد نفوذ دولة الاحتلال المضطهِدة لشعبها المنتفِض ضدها، والمُعيقة لبناء دولتنا العراقية المستقلة الحديثة الديمقراطية الاتحادية العلمانية، لأن انتهاك سيادة العراق من دولة الولي الفقيه يعد عندهم واجبا شرعيا، بينما الوجود الأمريكي، حتى لو بطلب من الحكومة العراقية أو جماهير واسعة من الشعب العراقي من أكبر المحرمات.
بهذا سيكون اسم مقتدى الصدر قرينا لأسماء مثل هادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض ونوري المالكي، ويكون الفرز محسوما وواضحا بين الثورة الشعبية السلمية، وبين قوى الطبقة السياسية الشيعسلاموية المهيمنة من 2003 حتى يومنا هذا على المشهد السياسي. وبذلك يكون الفرز بين عراقية الثورة وإيرانية الولاء، طبعا نسبة إلى النظام الإيراني، وليس إلى الشعب الإيراني المتطلع إلى التحرر من هذا النظام، والذي عبر عنه فيما عبر بهتاف الجماهير الإيرانية الغاضبة بالفارسية «خامنئي قاتله، ولايتش (ڤلايتش) باطله (باتله)» أي «خامنئي قاتل، ولايته باطلة».
وحسنا فعلت الجماهير التشرينية في الناصرية، عندما رحبت بالإعلان لهذا الطلاق المبارك والمتمنى من الكثيرين من وقت طويل، إذ هتفت بالأمس «لا مقتدَى وْلا هادي، حرة تُبقَى بْلادي».
إن هذا الطلاق الذي يعتبر قد أعلن رسميا، ربما سيكون إضعافا عدديا لاحتجاجات ثورة تشرين، لكنه سيكون تقوية معنوية، وتنقية نوعية للثورة، وكنت في مقالة سابقة قد بينت إن من شروط نجاح الثورة، فرز الحالة الصدرية، وفرز المخربين والغوغائيين والعنفيين، لتبقى الثورة شعبية مستقلة تغييرية نقية سلمية متحضرة.
ولا يسعنا إلا أن نكون شاكرين لمقتدى الصدر، لحسم انفصاله عن الثورة، لتحتفظ الثورة بملامحها الوطنية، دون شوائب مقتدوية أو طائفية أو غوغائية أو ما سواها.
وقبل أن أكمل هذه المقالة لأعدها للنشر قرأت عن الصحفي العراقي سؤدد الصالحي ما نشر له على موقع ميدل إيست آي مساء الثلاثاء 14/01/2020 تقريرا، يتحدث عن تكليف إيران لزعيم حزب الله حسن نصر الله مهمة توحيد الجماعات الموالية لها في العراق، بعد مقتل سليماني، وأبرز ما جاء في هذا التقرير، مما أنقله مضمونا مع تصرف طفيف في الصياغة، إن حسن نصر الله استضاف في بيروت يوم الخميس 09/01/2020 قادة الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ودعاهم لوضع خلافاتهم جانبا. ثم توجهوا بعد هذا اللقاء يوم الأحد 12/01/2020 إلى طهران، ليكون لهم لقاء مع (رهبرهم) وولي أمرهم خامنئي. وبعد لقائهم بخامنئي دار نقاش في طهران مع مسؤولين إيرانيين حول الجهة التي ستدير ملف العراق، فهناك عدة خيارات مطروحة من قبل النظام الإيراني؛ ولم يحسم بعد ما إذا تناط هذه المهمة إلى المخابرات (الاطلاعات)، أو الخارجية، أو إبقاء المهمة بيد الحرس الثوري. فإن إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الذي خلف سليماني بعد مقتله، لا يملك مؤهلات سلفه، فيما يتعلق الأمر بالملف العراقي، لأنه مختص في الشأن الأفغاني، ولا خبرة له في الشأن العراقي، كما إنه لا يتحدث العربية. وحسب التقرير إن إيران بحاجة إلى ثلاثة أشهر حتى تكليف شخص يدير هذه الجماعات، ولذا فإن نصر الله سيتولى هذه المهمة مؤقتا.
ثم من طهران توجهوا في اليوم التالي مباشرة، أي يوم الاثنين إلى قم، للقاء مقتدى الصدر. فبحث اجتماع قم الاتفاق على تعيين هادي العامري قائدا لهيئة الحشد الشعبي، ومحاولة إقناع مقتدى الصدر بذلك، وكشف مصدر إن الصدر وافق، شريطة أن يعين مساعده العسكري كاظم العيساوي (أبو دعاء) بمنصب نائب رئيس الهيئة، بديلا عن جمال الإبراهيمي (أبو مهدي المهندس)، بعد مقتله مع قاسم سليماني.
وإن مباحثات (بيروت/ طهران/ قم) وضعت لنفسها هدف توحيد جهود المقاومة ضد التواجد الأمريكي، حسب التقرير، بل حسب المتوقع من أي مراقب ومحلل.
وتبقى وحدها الفصائل التابعة لمرجعية النجف خارج هذا التحالف المحرَّك إيرانيا، والخادم للنفوذ الإيراني في العراق، وهذا أحد مؤشرات تدهور العلاقة بين السيستاني وخامنئي، مما أشار إليه التقرير أيضا.
لتتواصل ثورة تشرين بعيدا عن مقتدى، الذي قلنا دائما إنه لا يمكن التعويل عليه، لأن لا أحد يعرف ما سيقرره غدا، تماما كما هو الحال مع ترامپ.
ونتطلع إلى عراق كامل السيادة خال من أي وجود، بل من أي نفوذ أجنبي، سواء كان أمريكا أو إيرانيا أو سعوديا أو تركيا، أو لأي دولة أخرى. لكن لكون الأخطر على المصالح الوطنية في الظرف الراهن هو النفوذ الإيراني، ولحاجتنا حاليا إلى القوات الدولية، لاسيما الأمريكية، لا بد من رفض المطالبة بإخراجها حاليا، حتى التخلص نهائيا من خطر التدخل الإيراني في شؤوننا، ثم يجري التفاهم والاتفاق مع الأمريكان في الوقت المناسب، لخروجهم بقرار عراقي وطني، واتفاق عراقي أمريكي، مع ما يسجل على سياسة ترامپ بالذات. كما نتطلع إلى علاقة صداقة مع دول العالم الحر، وبالذات مع أورپا واليابان وكندا، مع الاستفادة من علاقات حتى مع روسيا والصين، والنأي عن سياسة العداء لأمريكا، والتمييز بين النقد والعداء، لكن مع العمل على إيجاد علاقة متوازنة، نضع فيها بالمرتبة الأولى مصلحة العراق، واستقراره وأمنه وسلامه وتقدمه ورفاهه وسيادته.