قد يتسأل احدنا ماذا لو كنت وسط ميدان عاشوراء، ماذا لو منع عنا الماء لعشر ايام، ونحن في الصحراء والعداء محيطة بنا؟ “ياليتنا كنا معكم سادتي” كثيرآ ما نرددها ونحن في بيوتنا أمنين مطمئنين، لا نشعر بجوع او عطش او يؤذينا حر الشمس، نقولها لقلقة لسان فقط، ماذا لو كنا هناك فعلا، هل سنصمد؟ هل سنصبر كما صبر اصحاب الحسين؟ ام سنقول للحسين اذهب انت وربك و قاتلا!
نه اختبار لا يحتمل المجاملة او المداهنة او التأرجح بين منزلتين، اما الجنة او النار، يومآ لم يكن لاهل الاعراف مكان فيه.
ان المعادلات الكيمائية تعبر عن تفاعل عظيم قد حصل، لكنها تترجم لنا رموز باردة، غير قادرة على نقل رائحة التفاعل او ابخرة العناصر، كذلك كتب التأريخ والرواة مهما اجتهدوا بنقل صور تلك الفاجعة، الا انهم عجزوا عن نقل صوت تكسر اضلاع الحسين، ورائحة خيامه وهي تحترق، وصوت الصبية الفزعة من الخيل التي غارت عليهم!
ينقل ان الخيل التي داست جسد الحسين عليه السلام، تسمى ” الاعوجية” سميت كذلك لانها رفضت ان تطئ الجسد الشريف، فاضطر فرسانها الى لوي اعناقها حتى لا ترى الجريمة !
اي حقد هذا يدفع الانسان ان ينحدر دون الحيوان بأفعاله؟ اذا علمنا ان تلك الخيول قد سحقت الجسد الطاهر فلنا ان نتخيل ماجرى على جسد الحسين، حتى انتهى الى كتلة واحدة حتى عجن اللحم بالعظم، ولم يستطيع الامام السجاد عليه السلام بعد الفاجعة من دفن جسد والده الا بعد ان استعان بحصيرة للملمة ماتبقى منه!
ان القضية الحسينية انما هي قضية الهية، ليس لنا ان نبرر او نفسر او نقدر شيء منها، علينا فقط التسليم بما جرى فيها، اذ قاتل الحسين دولة بأكملها وبما تملك من امكانيات وعدة وعدد، وقف امام حشود ، لم يفلح احدهم ان يلفت نظر الرواة وناقلي الاخبار، فكانوا اشبه بقطيع، يشابه بعضهم بعضآ، فهم مرتزقة يعتاشون الحروب وسفك الدماء، عبيد الدينار والدرهم ومااكثرهم في كل زمان ومكان!
اما من كانوا مع الحسين وهم سبعون رجلا مثلوا، السلام والرقي والسمو الاخلاقي، فهم مابين رئيس قبيلة، وشريف قومه ومنهم من كتب القرأن وحفظه، ومنهم من عاصر الرسول الاكرم وسمع كلامه، نخبة العصر، وخلاصة الفروسية العربية الاصيلة، خلقوا بوقفتهم تلك موجة عارمة لاثارة الناس، وتسليط الضوء على مظلومية آل البيت، عمدوا على تحويل التشيع من حالة خاصة، الى طريق راح يسلكه كل الاحرار بالعالم، مهدوا لثورات متلاحقة لتحرير الانسان، من اي يزيد في اي مكان كان، فأصبح اسم الحسين مرعب لكل طاغي وفرعون، على مر العصور.