22 ديسمبر، 2024 4:27 ص

الطفولة من ضحايا الديمقراطية في العراق

الطفولة من ضحايا الديمقراطية في العراق

وردت كلمة الطفل وجمعها أطفال أربع مرات في القرآن الكريم، مرتان في سورة النور/59 و31، وسورة الحج/5، وسورة غافر/67وحول توفير الأمن والطمأنينة للطفل، قال تعالى في سورة البقرة/233((لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ)). وورد الحديث النبوي” عن أبي قتادة (رض): أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُصَلِّي وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ بنْتِ رَسولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، ولِأَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وضَعَهَا، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا“. (صحيح البخاري/516).

أظهرت الاحصائيات الحكومية الصادرة عن دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى في العراق تزايد معدلات العنف الأسري في ما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 ـ2022. فقد سجلت المحاكم (1141) دعوى عنف أسري ضد الأطفال، والحقيقة ان هذه العدد لا يعكس مطلقا حالات العنف التي يتعرض لها أطفال العراق، حتى لو ضربت العدد في مائة او ألف، حيث تحجم العائلات العراقية عن رفع دعاوي عن العنف الاسري الا في حالات الجريمة والاغتصاب والخطف، ما عدا ذلك فالعنف ضد الأطفال مقبول حسب الأعراف السائدة، فضرب الأطفال يعتبر نوعا من التقييم الأخلاقي عند غالبية الاسر العراقية، بل الأمر يتعدى الاسرة الواحدة، فقد يقوم العم والخال والاقارب بتعنيف أطفال أقاربهم، وتعدى الأمر هذا الحال، حيث نجد عمليات ضرب الأطفال داخل المدارس العراقية، رغم توجيهات وزارة التربية بحظر ذلك، لكن في بلد ينتعل فيه كبار المسؤولين الدستور والقوانين السائدة، تمر هذه المسائل بخفة دون رادع حقيقي.

كما صرح المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداويفي27/8/2023 “ أن الأطفال يمثلون شريحة مجتمعية تقارب 40 %، وهي شريحة هشة متأثرة بظروف البلاد الصعبة خلال السنوات الأخيرة المتمثلة، بالإرهاب والأوبئة والأزمات الاقتصادية، ما أنعكس سلبا عليها. ان مليون طفل يعانون الحرمان من الغذاء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى زج 5 % منهم في العمل:

وجاء في تقرير لليونيسف بمناسبة الاسبوع العالمي للمياه ان “نصف المدارس في العراق تفتقر الى الخدمات الاساسية من المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية”.

صحيح ان قانون رقم 76 لسنة 1983 أشار في المادتين 56ـ 58 الى ثمانية محظورات كاستغلال الطفل أو الإساءة إليه كارتكاب جريمة الخطف مثلاً أو جرائم الاغتصاب واستغلاله في الدعارة أو التهريب، لمن يبقى مفهوم (الإساءة للطفال) غير واضح المعنى، رغم ان العقوبة لا تقل عن (5) سنوات، لكنها لم تشكل رادعا، لأن القضاء نفسه لا يعمل بها، القضاء العراقي فاسد شأنه شأن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولو القيت نظرة خاطفة عن احكتم القضاء العراقي لاستغرقت في الضحك، او البكاء عن الاحكام الصادرة عن جرائم لا يمكن تصور بشاعتها، مقابل عفو او احكام مخففة، فما بالك بالإساءة للأطفال. وهذا ما سوف نتناوله في مبحث قادم لأهميته، عندما يكون القضاء فاسدا، سينتشر الفساد في كل مفاصل الدولة، وهذا ما يحدث حاليا في العراق.

سبق أن أعدت الحكومة العراقية مسودة  قانون لحماية الطفل العراقي، لكن القانون كبقية القوانين رصف على الرف ليتجمع عليه الغبار، لأنه ببساطة لا يتعلق بمميزات النواب، والا لتركضوا كالبغال للتصويت عليه، وتم ارسال مسودة القانون الى مؤسسات المجتمع المدني ومنظمة اليونيسيف، ولا نعرف ما هي ملاحظات الجهتين على المسودة، وهل هي تتوافق مع القانون الدولي، واتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها العراق، دون ان يلتزم بأي من بنودها، ودون ان تقلق المنظمة الدولية التي لا يخلوا بيان او قرار لها من (قلقها العميق) عن حال الطفل العراقي، سيما ان ما يقارب (7) ملبون طفل وشاب أميين لا يعرفوا القراءة والكتابة، وهذه من ابرز منجزات حكومات ما بعد عام 2003، بعد ان نظف العراق بدنه من الأمية في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وحصل على ثناء من قبل منظمة اليونيسيف.

جاء في ديباجة  اتفاقية حقوق الانسان “الحاجة إلى توفير رعاية خاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924 وفى إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959 والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفى العهد الدولي الخاص بالحقوق دنية والسياسية ـ ولاسيما في المادتين 23 و 24 وفى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ولا سيما في المادة 10 ) وفى النظم الأساسية والصكوك ذات الصلة للوكالاتالمتخصصة والمنظمات الدولية المعنية بخير الطفل، وإذ تضع في اعتبارها “ أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها” وذلك آما جاء في إعلان حقوق الطفل“.

وتضمنت اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 عدد من المواد أهمها:

المادة/2:

أولا: تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.

ثانيا: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.

المادة/3

أولا: في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.

ثانيا: تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.

ثالثا: تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة، ولا سيما في مجالي السلامة والصحة وفى عدد موظفيها وصلاحيتهم للعمل، وكذلك من ناحية كفاءة الإشراف.

ويلاحظ من خلال المواد السابقة ان العراق غير ملتزم بالاتفاقية التي وقع عليها بمحض ارادته، وهذا شأنه مع غالبية الاتفاقيات الدولية مثل الصكوك الدولة المتعلقة بحقوق الانسان ومنع التمييز العنصري وغيرها، وهذا الانتهاك ليس حصرا على العراق، بل معظم دول العالم المتخلفة.

الدول الغربية وسيما الدول الإسكندنافية وجدا حلا لانتهاكاتحقوق الأطفال، وانشأت مؤسسة حماية الطفل وتدعى (Barna Verne)، وهي مؤسسة معنية بحقوق الأطفال وحمايتها، وتتعاون المدارس ورياض الأطفال مع المؤسسة عندم ملاحظة وجود آثار عنف على الأطفال، او من خلال حديث الأطفال عن تعرضهم للعنف من قبل اسرهم، فيتم الاتصال بمؤسسة حماية الطفل التي تتخذ الإجراءات المناسبة بحق الاسرة بعد التأكد من تعرض الطفل الى عنف اسري، ومنها سحب الطفل من عائلته وتسليمه الى أسرة أخرى تتولى رعايته وتربيته في مدينة أخرى بعيد عن مدينة الأسرة، وغالبا ما يكون الأطفال العرب والافارقة والافغان والايرانيين ممن يتعرضوا الى العنف الاسري.

ربما البعض يقول ان هذا الاجراء قاسي جدا، ونقول انه ليس أقسى من تعرض الأطفال الى العنف الاسري، علما ان هذه الاجراء لا يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، فقد جاء في المادة9/ أولا ” تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل.

من المعروف في العراق توجد مديرية حماية الأسرة والطفل، مع وجود خط ساخن لاستقبال الشكاوي المتعلقة بالعنف الاسري، ولكن غالبا ما يتم التوصل الى حل هامشي عبر التراضي او التعهد بعدم تكرار العنف، وهو اجراء فاقد لمفعوله، سيما ان غالبية الاسر العراقية تعزف عن الاتصال بالخط الساخن، او تتستر على العنف الاسري، مما أدى الى تماديه في غالبية المحافظات العراقية، ولو اتبع النظام العراقي أسلوب سحب الأطفال من اسرهم بسبب العنف الاسري، لما تجرأت الأسرة على استخدام العنف تجاه اطفالها، لكن هل يمكن تنفيذ هذا الاجراء؟ الجواب كلا لأن الفساد مستشري في كل مفاصل العراق من قمة الهرم الى قاعدته.

الخاتمة

من يتحدث عن حقوق الانسان بشكل عام، وحقوق الطفل بشكل خاص في العراق، كأنه يتحدث عن أفلام حرب النجوم، القاء نظرة على الإشارات الضوئية وعدد الأطفال المتسولين، وعمالة الأطفال في المصانع الأهلية، والأمية المنتشرة بين الأطفال، تعطي المرء فكرة متكاملة عن ضياع حقوق الأطفال في هذا البلد السائر في طريق الديمقراطية كما يزعم، والمزكوم بالعمالة والطائفية والفسادالحكومي، والميليشيات والمافيات، وتجارة المخدرات والإدمان عليها، وانعدام الخدمات، سيما الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية، وانعدام الأمن، والتغيير الديمغرافي، والبطالة والتزوير والرشاوي، والجفاف والامية والسرقات والصفقات المشبوهة، وتهريب العملة عبر نافذة البنك المركزي، وعشرات الكوارث.