كل دول العالم ،حتى تلك التي لم تحتسب على العالم المتمدن ، لديها برامج وخطط واهتمامات استثنائية لتنشئة الطفولة وتوفير ييئة مناسبة لرعايتها والنهوض بواقعها الى الحالة الأفضل الا في العراق، الذي لن تجد فيه لدولة تهتم بها، ولا مؤسسات يعتد بها لرعاية الطفولة!!
والطفولة في العراق تعيش حالة سبات حياتي ، فهي تعيش بـ (سجن) إسمه العراق ، لا تتوفر فيه أبسط معالم الاهتمام بورود العراق وزهوره واغصانه اليانعة ، حتى نجد ان تلك الحدائق الغناء وهي تواجه قدرها التعيس، وتواجه تحديات خطيرة أبرزها هذا النزوح والتهجير والحرمان والفقر بصوره المختلفة،وقد اختفت احلامها وتلاشت طموحاتها بعد سنوات من ظهور تلك البراعم اليانعة، واذا بها وقد تم حشرها بين أقدار تعيسة، ربما لاتليق حتى بالحيوانات فكيف بالبشر!!
ولو تابعنا المدارس والمعاهد والجامعات التي يدرسون فيها لوجدنا انها في غاية السوء ، وتنحدر فيها مستويات التحضر والعيش الآدمي ، وتجد كل تلك المعالم وهي خربة حزينة تبكي أقدارهم التعيسة ، وهم بين كماشة الارهاب والموت الذي يحصد عوائلهم وينالهم من أذاها الكثير!!
ربما لاتجد سوى مناطق محدودة في العاصمة بغداد لها اهتمام بسيط بشأن الطفولة، ولكن حتى تلك المناطق التي تعد أكثر تطورا، واذا بها تتدهور فيها أحوال الطفولة، وما يعانيه اطفال العراق من حرمان من أبسط مستلزمات الحياة يكاد يبكي الحجر قبل البشر!!
شجعني على كتابة هذا المقال احد الكتاب المهتمين بشأن الطفولة منذ عقود وهو الكاتب والفنان والصحفي والمتخصص في ثقافة الاطفال سعد الجبوري، الذي أجده في كل مرة يرثي حالة الطفولة في العراق، وهو يعمل كل ما يستطيع من خلال اعماله الثقافية والتربوية والتي تتمثل بقصص الاطفال وقصائد شعرية ورسومات تعنى بوعيهم وتربيتهم وتنشئتهم، الا انه لايجد حتى من يهتم بتلك الكوادر التربوية لكي تمد يد العطاء الى تلك الشريحة ، التي تمثل زهور الحياة وهم رياحينها وشباب غدها المشرق، واذا هي تعاني الأمرين من عدم وجود برامج ومؤسسات تعنى بها، ان لم تواجه بإهمال على أكثر من صعيد!!
وحتى على صعيد البيت لايجد اطفال العراق من يوفر لهم بيئة تخفف عنهم اعباء الحياة وتراهم وكأنهم يعيشون في سجن كبير ، وهم محرومون من حق التمتع بالحياة ومباهجها مثل أي اطفال العالم، الذين توفر لهم دولهم كل ما يعلي من شأنهم واماكن ترويحية يمارسون فيها هواياتهم والترفيه عنهم بمختلف وسائل اللهو والترفيه والتنمية الثقافية التي اختفت معالمها في العراق مع عصر الديمقراطية الذي اكاد ان اسميه بعهد ( وأد الطفولة) إن صح التعبير!!
اطفال العراق، ياسادتي الكرام، أمانة في أعناقنا جميعا، وهم يستحقون منا ان نوفر لهم رياض اطفال ومدارس وجامعات تليق بهم، ومناهج ترتقي بهم الى الحالة الأفضل، بدل (خراب الاجيال) الذي تعيشه الطفولة في العراق!!
أما المناهج الدراسية التي أعدت لهم ، فهي (بلاء) و (طامة كبرى) وليس علم ينتفع به ، لأن ما موجود فيها حتى الان يعد (انتقاما) وليس تربية، ولهذا يتخرج اغلب اطفال العراق من مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم وأغلبهم (أميون) لايعرفون مما تعلموه شيئا يفيد الحياة والمجتمع،وتتطلب مراجعة شاملة لتبسيط تلك المناهج واختصارها، لانها لا تتوافق مع مراحلهم العلمية ، وهي تشكل عائقا امام حالات الفهم والاستيعاب ان لم تعد وسيلة لتخريج أميين ، لايفقهون من معالم الحياة وعلومها ما يخدم بلدهم ومجتمعهم،حتى ان الكثيرين راحوا يترحمون على أيام السبعينات والثمانينات، التي كان الاهتمام بتعليم وتربية الطفولة وكل المراحل العمرية ، في أعلى مراحله، وهم الان يندبون أقدارهم اللعينة ، لأن برامج الطفولة انحدرت وتدحرجت الى مستويات تنذر بمخاطر كبيرة على الاجيال، وتهدد مستقبل الطفولة بمخاطر لاتحمد عقباها..وهي تشكل حالة مأساوية إن إستمر تراجع الاهتمام بالطفولة في العراق الى منحدرات خطيرة، تهدد بفوضى وتشرد وبطالة وأمية، ويذهب مصير الاجيال سدى ، حتى تلعننا الاجيال المقبلة لأننا لم نحسن تربيتها، وعرضناها لمخاطر الحروب والأزمات وعسكرة الحياة، دون ان نوفر لهم ابسط مستلزمات الحياة ولم تلمس من معالم التمدن والحضارة، ولو في أبسط صورها!!