27 ديسمبر، 2024 11:44 ص

الطعون الانتخابية والشفافية المطلوبة

الطعون الانتخابية والشفافية المطلوبة

ان الشفافية في إجراءات وقرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تعد من اهم الأسباب الموجبة لإنشاء المفوضية وصدور قانونها وعلى وفق ما ورد في الأسباب الموجبة لقانون تشكيلها رقم 31 لسنة 2019 وعلى وفق الاتي (بغية إجراء انتخابات حرّة نزيهة يطمئن لنتائجها الناخب، وضماناً لشفافية أكبر وانسجاماً مع التوجهات الإصلاحية التي طالب بها الشعب) والشفافية هي الوضوح في إدارة العلمية الانتخابية بجميع مفاصلها وتلغى فيها السرية أو الغموض أو الإخفاء العمدي لكل ما يتعلق بالعمل الانتخابي، حيث تتراجع مساحة الخصوصية لصالح المساحة التي يفرض القانون الأمر باطلاع المواطنين عليها، وأصبحت الشفافية قرينة النزاهة ومن اهم مؤشراتها، لذلك فان المشرع حينما جعل من الأسباب الموجبة لتشريع قانون المفوضية العليا للانتخابات وجود الشفافية في عملها كان الغرض منه منح المواطن الاطمئنان بنزاهة إجراءاتها، وتظهر صورة الشفافية عبر الإعلان عن كل إجراء تتخذه بواسطة جميع وسائل الإعلام والاتصال من اجل تمكين المواطن من الاطلاع عليها لمعرفة ماهية الإجراءات المتخذة تجاه العملية الانتخابية، لان الانتخابات تتعلق بحقوق دستورية لكل من الناخب والمرشح، فضلاً عن أثارها الكبيرة على شكل النظام السياسي للبلد وعلى النسيج الاجتماعي بشكل خاص، ولاحظنا ان المفوضية اجتهدت كثيرا في هذا الجانب وكان الإعلان عن جميع إجراءاتها في موقعها الإلكتروني وهو جهد تشكر عليه، وفي مجال الطعون والشكاوى المتعلقة بالانتخابات فان الشفافية في التعامل معها تعد من اهم معززات الثقة بالعمل المتخذ، ولا تقف الشفافية عند إعلان قرارات مجلس المفوضين المتعلقة بالطعون فقط، وإنما الشفافية تكون في مضمون القرار أيضاً، بمعنى ان تبين المفوضية الأسباب التي دعتها إلى رد الطعن أو قبوله ويعلن للجميع، لان القرار المتخذ ليس شأن شخصي يتعلق بالطاعن وإنما شأن عام يرتب أثار على الجميع، ومن خلال قراءة قرارات مجلس المفوضين التي قضت برد الطعون والتي تمثل اكثر من90% من قراراتها، كان لابد من إمعان النظر فيها للوقوف على توفر مبدأ الشفافية التي تطمئن الناخب والمرشح في ذات الوقت لذلك سأعرض إلى بعض الملاحظات وعلى وفق الاتي :
ان بعض الشكاوى تم رفضها بسبب تنازل المشتكي عنها ولم يرد في القرار ماهية الشكوى وكيف تم تصنيفها على إنها خضراء أو صفراء أو حمراء، وهذا يثير بعض الأسئلة، كما ان الشكوى ضد أي إجراء من إجراءات العملية الانتخابية لا يعد شأن خاص وإنما شأن عام يعنى به كل الشعب العراقي لتعلقه بمصير البلد، وبذلك لا يجوز غلق الشكوى لتنازل المشتكي وإنما على المفوضية التحقق منها ومن ثم إعطاء القرار المناسب، لان القانون لم يرد فيه أي نص يتعلق بغلق الشكوى بسبب التنازل، لذلك هذا الإجراء كان فاقد للشفافية في بيان ماهية الشكوى وآليات التحقق فيها.
جميع القرارات التي اتخذها مجلس المفوضين برد الطعون كانت مقتضبة جداً بحيث لم تبين ماهية الشكوى وكيف تم التحقق منها، وهذا مؤثر في توفر القناعة لدى الجميع، وكان المفروض ان يتم عرض الشكوى، ومن ثم تفنيدها والأسباب التي أدت إلى ردها أو قبولها، لان هذا القرار سيكون خاضع للطعن به أمام الهيئة القضائية للانتخابات في محكمة التمييز الاتحادية وعلى وفق المادة (10/خامساً) من قانون المفوضية رقم 31 لسنة 2019 التي جاء فيها الاتي (البت في الشكاوى والطعون الانتخابية كافة وتكون قراراته قابلة للطعن امام الهيئة القضائية للانتخابات.) وهذا الطعن أمام القضاء يتطلب من الطاعن معرفة الأسباب التي اعتمدتها الهيئة برد طعنه حتى يتسنى له مناقشته وتفنيده على وفق ما يرى.
ان الغالبية العظمى من قرارات مجلس المفوضين برد الطعون استندت إلى العبارة الآتية (لعدم كفاية الأدلة) في أسباب الرد، وهذا المصطلح له حضور في عمل المحاكم الجزائية (التحقيق، الجنح، الجنايات) حيث تقضي المحكمة بالإفراج عن المتهم لعدم كفاية الأدلة ويعني ذلك ان المتهم يوجد ضده دليل بارتكابه الفعل الجرمي لكن الدليل بمفرده لا يكفي، مثال ذلك ما ورد في المادة (130/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي جاء فيها الاتي (ذا كانت الادلة لا تكفي لاحالته فيصدر قراراً بالإفراج عنه وغلق الدعوى مؤقتاً مع بيان اسباب ذلك) وكذلك المادة (183/ج) من قانون الاصول التي جاء فيها الاتي (اذا تبين للمحكمة ان الأدلة لا تكفي لإدانة المتهم فتصدر قراراً بإلغاء التهمة والإفراج عنه.) ويعلم جميع من له صلة بالقانون بادن عدم كفاية الأدلة تعني ان الدليل على وقوع الفعل موجود لكن لا يكفي وهذا دعا المشرع إلى غلق التحقيق بشكل مؤقت لفترة من الزمن لربما يظهر من خلالها دليل او قرينة أخرى تعزز الدليل الأول فيتم فتح التحقيق مجدداً وعلى وفق ما جاء في المادة (302/ج) من قانون الأصول وكذلك في المادة (303) من ذات القانون.
ان الاستناد إلى عدم كفاية الأدلة دون عرض ماهية الدليل المقدم من المشتكي يخلق حالة ضبابية تمنع توفر الشفافية في الإجراء، لان الدليل الواحد قد يعزز من وقوع خرق في العملية الانتخابية ، ومجرد وجود أي دليل هو إخلال بسير الانتخابات يؤثر على نتيجتها، لذلك كان على مجلس المفوضين ان يبحث في الدليل المتوفر مهما كان ضئيلاً وان تحقق فيه ومن ثم تقرر ما هو مناسب على ان يعرض على الجمهور بكل تفاصيله من اجل توفر الاطمئنان لدى الجميع، لان وجود القرار المقتضب بعبارة (عدم كفاية الأدلة) فإنها تثير الشكوك بوجود أدلة على الخروق الانتخابية إلا ان المفوضية لا تعتبره سببا لقبول الطعن وهذا حقها في القبول والرد، لكن على ان يكون الدليل المقدم معروض ومتاح للجميع من اجل الاطلاع عليه وهو من اهم صور الشفافية المفترضة في عمل المفوضية.
كما صرح الناطقون باسم المفوضية وفي اكثر من مناسبة ان أسباب رد الطعون كانت لمخالفة الطعن أو الشكوى للمادة (38/أولاً) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم (9) لسنة 2020 وهذه المادة لا علاقة لها بالشكاوى وإنما هي مادة تلزم المفوضية ببعض الإجراءات وعلى وفق النص الاتي (تعتمد المفوضية أجهزة تسريع النتائج الإلكترونية وتلتزم بإعلان النتائج الأولية خلال (24) ساعة من انتهاء الاقتراع وتجري عملية العد والفرز اليدوي لغرض المطابقة بواقع محطة واحدة من كل مركز انتخابي وفي حالة عدم تطابق نتائج العد والفرز الإلكتروني مع نتائج العد والفرز اليدوي بنسبة (5%) من أصوات تلك المحطة فيصار إلى إعادة العد والفرز اليدوي لجميع محطات المركز الانتخابي وتعتمد النتائج على أساس العد والفرز اليدوي وفي حالة الطعن في أي مركز اقتراع أو محطة اقتراع تلتزم المفوضية العليا بمهمة إعادة العد والفرز اليدوي وبحضور وكلاء الأحزاب السياسية وتعتمد نتائج العد والفرز اليدوي) لذلك كان على المفوضية ان تعرض الشكوى وتوضح أسباب المخالفة لهذا النص لان قرار رد الطعن بهذه الكيفية هو تعميم لا يوفر القناعة لان نص المادة وكما أسلفت هو إجراء يتعلق بالمفوضية في المطابقة للعد والفرز.
ان الموقع الإلكتروني للمفوضية لم يوفر المعلومات الكافية للناخب والمرشح حيث لم اجد أي نظام يتعلق بالشكاوى والطعون ولا أي أنظمة أخرى، وهذا خلل يفسد توفر مفهوم الشفافية لان الأنظمة تكون هي الضابط لعملية تقديم الشكاوى والطعون وهي الضابط في كيفية التعامل معها.
ومن خلال ما تقدم فان مبدأ الشفافية الذي من أجله شرع قانون المفوضية لم يكن متوفراً بالشكل الوافي لتحقيق الاطمئنان لدى الجميع والدليل وجود احتجاجات واعتراضات واعتصامات بسبب عدم وضوح الأسباب التي دعت إلى رد الطعون أو عدم الاستجابة لطلبات الجمهور الانتخابي، وأتمنى على المفوضية ان تكون اكثر وضوحاً في تسبيب قرار رد الطعن وما يدعونا الى ذلك ان اغلب أعضاء مجلس المفوضين هم من القضاة الأفاضل ويعلمون ان من اهم أسباب صدور الأحكام هو التسبيب الذي يقول عنه المختصون بانه عذر القاضي للجمهور