تتصاعد الأصوات المحتجة على قانون مجلس النواب النافذ، بعد عودة المحكمة الاتحادية بمزاولة عملها، وانتهاء المهلة الزمنية المحددة لتقديم التحالفات وأسماء المرشحين للانتخابات، باللجوء برفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020، وهذا يعكس في الحقيقة، ظاهرة ايجابية في الحياة السياسية في العراق، وهي اللجوء للقضاء والاحتماء بالدستور للفصل في المنازعات التي تحصل بين الكتل السياسية، بدل اعتماد اللجوء إلى التصعيد من خلال الشارع بالاحتجاجات والاعتصام أو استخدام القوة والسلاح. ويعكس أيضا المكانة الكبيرة التي بدأت تحظى بها قرارات المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية للفصل بالمنازعات، رغم الفترة القصيرة من تشكيلها الذي لم يتجاوز 16 سنة.
الطعن أمام المحكمة الاتحادية
يعتبر الدستور أعلى مرتبة من سائر القوانين والأنظمة، وأن القواعد الدستورية تحتل قمة الهرم القانوني في الدولة وأن مبدأ سمو الدستور يقتضي أن يكون النظم القانوني بأكمله محكوما بالقواعد الدستورية، وان تكون القوانين التي تصدر من السلطة التشريعية والأنظمة والتعليمات التي تصدر من السلطة التنفيذية لا تتعارض مع أحكام الدستور، وفي معظم الدولة توجد رقابة تتولى الفصل لمدى تطابق القوانين والأنظمة الصادرة مع أحكام الدستور أو مخالفتها لها، وهذه تسمى بالرقابة على دستورية القوانين، وفي العراق أنيطت هذه الرقابة إلى المحكمة الاتحادية العليا التي تشكلت سنة 2005، وهي المعنية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، إي مدى مطابقة القانون الصادر من مجلس النواب مع مواد الدستور أو مخالفته له. وعندما تفصل المحكمة الاتحادية العليا بان النص القانوني مخالف للدستور، يعتبر هذا النص ملغى وكأنه لم يكن.
خلفيات قانون انتخاب مجلس النواب رقم 9 لسنة 2020
لقد أجبرت التظاهرات الكبيرة التي اجتاحت العراق في تشرين 2019، وزارة عادل عبد المهدي من تقديم استقالتها والدعوة إلى الانتخابات المبكرة، ومن اجل ذلك وتحت ضغط الاحتجاجات، تم تعديل قانون المفوضية المستقلة للانتخابات، الذي أتاح للقضاة المرشحين من قبل مجلس القضاء الأعلى بإدارة العملية الانتخابية، بعد أن كانت تُدار من قبل ممثلي القوى المتنفذة في مجلس النواب، وكان من ضمن الشعارات التي رفعها المحتجين، تعديل القانون الانتخابي باتجاه الترشيح الفردي، وتصغير الدوائر واعتماد نظام الأغلبية، بحجة أن ذلك يتيح للمرشحين المستقلين الفرصة للفوز، حيث كان في وقتها الصوت عاليا ضد الأحزاب ودون إي تمييز.
ولهذا أخذت صياغة قانون انتخاب مجلس النواب فترة طويلة نسبيا، فبين التصويت على فقرات القانون في 29 تشرين الأول 2019 ومصادقة رئيس الجمهورية بتاريخ 1 تشرين الثاني 2020 ، بعد الانتهاء من التصويت على الملحق الخاص بتحديد الدوائر الانتخابية، فترة زمنية قاربت 11 شهرا، أن ذلك يجسد أهمية القانون الانتخابي للكتل والأحزاب السياسية الذي له دور في تحديد ملامح الصراع المحتدم على طبيعة تركيبة مجلس النواب القادم ومدى ضمان بقاء كل كتلة على عدد المقاعد التي بحوزتها أو زيادتها.
تطرق الدستور العراقي لسنة 2005 إلى المبادئ العامة للقانون الانتخابي التي تعتبر الأساس الذي يعتمد عليه مجلس النواب عند تشريعه للقانون، وذلك من خلال تضمينه لعدد من البنود في المادة (49) والتي لا يجوز للمشرع العراقي تجاوزها والتي لا تقبل الاجتهاد أو التأويل عند صياغته للقانون الانتخابي وهي الاتي:
1- إن يكون لكل مائة إلف نسمة مقعد واحد، وبهذا حدد الدستور عدد أعضاء مجلس النواب، حسب عدد سكان العراق، ويعتمد مجلس النواب عند صياغة القانون الانتخابي على الأرقام المتوفرة لدى وزارة التجارة ووزارة التخطيط الأساس لتحديد عدد سكان العراق والمحافظات، وعلى ضوئها يتم تحديد عدد المقاعد لكل محافظة.
2- إن تكون الانتخابات بطريقة الاقتراع العام السري المباشر. إي أن الدستور لم يقيد مشاركة إي فئة أو شريحة اجتماعية، كما هو في بعض الدول، كأفراد القوات المسلحة أو يستثنى بعض المواطنين لأسباب سياسية أو للمستوى العلمي أو حسب الثروة.
3- إن يكون هناك مراعاة لتمثيل سائر مكونات الشعب، من خلال وجود حصة( كوتا) للمكونات القومية والدينية والطائفية لضمان تمثيل:( المسيحيين، الايزديين، الصابئة المندائيين، الكرد الفيلية، الشبك…).
4- إن يكون المرشح عراقيا كامل الأهلية. والعراقي هو كل من ولد لأبٍ عراقي أو لأمٍ عراقية. والأهلية تعني قدرة الإنسان على التعامل مع واجباته وحقوقه بشكل منظم وهي تثبت عند بلوغ سن الرشد وحسب القانون العراقي عند تمام الثامنة عشرة من العمر.
5- لمجلس النواب تشريع قانون يُحدد فيه شروط الترشيح والانتخاب وكل ما يتعلق بالانتخابات مثل( النظام الانتخابي، تنظيم السجل الانتخابي، تنظيم الدعاية الانتخابية،الأحكام الجزائية، أحكام عامة وختامية).
6- إن تكون حصة للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب. لضمان تمثيل النساء في مجلس النواب وهو ما يسمى بالتمييز الإيجابي.
هذه هي أهم المحددات للقانون الانتخابي لمجلس النواب، وعندما يكون هناك تشريع من قبل مجلس النواب يخالف هذه المبادئ، يحق لكل صاحب مصلحة ان يطعن أمام المحكمة الاتحادية لغرض إبطالها وإنهاء وجودها القانوني. وان أي تشريع خارج نطاق هذه المبادئ، يكون ذلك خيارا لمجلس النواب وتقديرا خاصا منه، ويقع ضمن اختصاصه الذي منحه له الدستور وفق الفقرة (ثالثاً) من البند (اولاً) من المادة (49) التي وردت في النص الخاص بمجلس النواب ( تنظم بقانونٍ، شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب). ومن هذه الخيارات والتقديرات الأتي:
• وضع شروط المرشح والناخب وبما لا يتعارض مع بعض مواد الدستور، بان العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز…( المادة 14)، تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين (المادة 16)، للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. ( المادة 20).
• تحديد عدد الدوائر الانتخابية وحجم كل دائرة، كأن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، المحافظة دائرة واحدة كما في القانون السابق، أو أن تتشكل المحافظة من عدة دوائر، وهي الطريقة التي أقرها القانون النافذ.
• النظام الانتخابي: ويقصد به طريقة تحويل الأصوات المدلى بها في انتخاب عام إلى مقاعد مخصصة للأحزاب والمرشحين، وهناك طرق متعددة للانتخاب منها:
– أتباع الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة والانتخاب المختلط. واختار القانون الحالي طريقة الانتخاب الفردي.
– طريقة تحديد الفائز في الانتخاب وهناك عدة طرق: نظام الفائز بالأغلبية، أو نظام الفائز بالنسبية، وقد اختار القانون الحالي، طريقة الفائز بالأغلبية، أي الذي يحصل على أغلب ( أعلى) عدد من أصوات المقترعين.
– تحديد طريقة تمثيل حصة ( كوتا) للمكونات، حيث تم تخصيص 9 مقاعد للمكونات ووفق الأتي: 5 للمسيحيين، 1 للايزيديين، 1 للصابئة المندائيين، 1 للشبك، 1 للكورد الفيليين.
– تنظيم طريقة لضمان تمثيل النساء بما لا يقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب، ومن أجل ضمان حصة النساء في مجلس النواب بالقانون الجديد، تم تقسيم العراق إلى 83 دائرة وهي حصة النساء من مجموع (329) وهو العدد الكلي لأعضاء المجلس، حيث يكون في كل دائرة مقعد للمرأة.
السوابق القضائية:
أقام رئيس الطائفة المندائية دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا طعن بعدم دستورية الفقرة (ج) من المادة (1) من القانون رقم (26 لسنة 2009) (قانون تعديل قانون الانتخابات رقم (16 لسنة 2005) من خلال تحديدها الحصة (الكوتا) للمكون الذي يمثله على مستوى محافظة بغداد فقط وبالتالي حرم أبناء الطائفة المنتشرين في عموم محافظات العراق من المشاركة في التصويت لانتخاب ممثليهم في مجلس النواب، وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها في هذه الدعوى المرقمة 7/ اتحادية/ 2010 وبتاريخ 3/ 3/ 2010 قررت بموجبه عدم دستورية الفقرة (ج) من البند ثالثاً من المادة الأولى من القانون رقم (26/ لسنة 2009) قانون تعديل قانون الانتخابات رقم (16 لسنة 2005) لتعارضها مع المادة (14) و (20) من الدستور باعتبار المقاعد المخصصة من الكوتا للمكون الصابئي المندائي ضمن دائرة انتخابية واحدة، ومنذ ذلك الحين يكون التصويت للمكون الصابئي المندائي ضمن دائرة انتخابية واحدة. رقم قرار المحكمة الاتحادية 6/ اتحادية/ 2010 في 3/3/2010
وفي حكم قضائي أخر للمحكمة الاتحادية وعلى اثر تقديم عمر علي حسين و مفيد محمد جواد الجزائري النائبين دعوى للطعن ضد قانون 26 لسنة 2009 الذي تضمن تعديلا لقانون الانتخاب رقم 16 لسنة 2005 حيث نص البند (رابعاً) من المادة (الثالثة) من التعديل على : ( تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد حسب ما حصلت عليه من الأصوات)، وقد جاء في الدعوى: يشكل هذا النص المعدل على النص الأصلي تعارضا مع الدستور، حيث ستؤدي إلى تهميش ملايين من أصوات الناخبين واستبعاد العشرات من الكيانات السياسية الصغيرة، لكونها لم تحقق القاسم الانتخابي، من خلال تجيير تلك الأصوات لصالح الكيانات الكبيرة الفائزة، التي لم يصوتوا لها أصلا. وقررت المحكمة الحكم بعدم دستورية( قانون تعديل قانون الانتخاب رقم 16 لسنة 2005)، على أن لا يخل هذا الحكم بما تم في عملية توزيع المقاعد الشاغرة في انتخاب مجلس النواب لسنة 2010 بعد ما جرى تصديق نتائجها من قبل المحكمة العليا بتاريخ 1/6/2010. رقم قرار المحكمة الاتحادية 12/ اتحادية/ 2010 في 14/6/2010
لقد تم استعراض المبادئ الدستورية لصياغة القانون الانتخابي، وكذلك الخيارات المتاحة لمجلس النواب وفق تقديره عند تشريعه للقانون الانتخابي الجديد، وكذلك بعض الأحكام القضائية بخصوص الطعن ضد القانون الانتخابي، ولهذا عندما تجد إي كتلة او حزب أو أن يجد أي مرشح مستقل تعارض ما بين المبادئ التي تضمنها الدستور والمواد التي شرعها مجلس النواب، أن يرفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية، بعدم دستورية تلك المواد ومن اجل كسبها من قبل المحكمة وإبطال مفعولها، قبل إجراء الانتخابات بفترة مناسبة، لان إذا المحكمة قررت بطلان دستورية إي نص قانوني سيكون أثره للانتخابات التي تأتي بعدها، حيث لا يجوز للمحكمة الاتحادية ان تطعن بنتائج الانتخابات والتي هي من تصادق عليها وهي التي قراراتها باتًة وملزمة للسلطات كافة.