قرأت يوما تقرير عن مهنة الطب في بداياتها، حيث كانت كل العمليات التي يتم إجرائها فاشلة! ليكتشفوا السبب الحقيقي بعد مرور فترة وراء ذلك الفشل، هو رداءة المكان وعامل تلوث الأدوات المستعملة، عليه يجب أن تكون تلك الأدوات نظيفة ومعقمة، فتوصلوا لطريقة الغلي لدرجة حرارة معينة، وهذه الطريقة رافقتنا لحد نهاية السبعينات، ولا زال البعض يستعملها لحد الآن! ووصل العلم لاختراع مركبات كيميائية، تستطيع تطهير الأدوات لا سيما الصالات، التي يتم إجراء العمليات فيها، ويستمر الإبداع في هذه المهنة الإنسانية لإختراع كل ما هو مفيد لهذه المهنة الإنسانية التي أنقذت وتنقذ الملايين .
في نهاية السبعينات وقع حادث لأحد عمل أمانة بغداد، وكان مصري الجنسية، أدى ذلك الحادث لبتر يده! فما كان منهم إلا الاتصال بالدكتور الفنان علاء بشير، فكان جوابه “ضعوا الجزء المبتور بكيس من الثلج”، وأتوني به بالسرعة الممكنة لقسم الطوارئ، أدخله على الفور صالة العمليات لتستمر العملية لساعات، تترقب الجماهير العراقية نتيجة العملية، التي كانت الأولى على مستوى الشرق الأوسط، ولا يمكن إجرائها إلا في المستشفيات التي تتميز بالدكاترة العباقرة في حينها، حيث تناولتها وسائل الإعلام وتتصدر عناوينها الصحف العربية، ناهيك عن العراقية، لتنفرد مجلة ألف باء لاحقاً، بنشر التفاصيل بعد إكتساب الشفاء للمريض .
بعد عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين تردى المستوى الطبي في العراق، وصل لدرجة الإهمال وعدم المبالاة بأرواح البشر، التي كرمها ربي ورفعها درجة عن سائر مخلوقاتِهِ، حيث الحصار الجائر إثر دخول صدام الكويت، نفق أدخِلنا فيه رُغم أنفِنا، دفعنا جراءهِ أرواح كان من الممكن إنقاذها بأبسط الأدوية المتوفرة في الدول الفقيرة، وليست كالعراق الغني بموارده النفطية والزراعية وغيرها من الثروات، التي حبانا بها الباري، أصبحنا سلعة تتداولها الأطباء المتاجرين بأرواح البشر، بل نزلنا لدرجة أقل لنصل لمرحلة التجارب (حظك نصيبك)! نتيجة الأخطاء التي يرتكبها اؤلئك الذين أصبحوا أطباء بمستوى التعليم المتدني .
عدم وجود رقابة على شريحة الأطباء وأصحاب المختبرات، وما شابهها من الأمور الطبية المتطورة، التي أخذت بالإتساع أوجد لنا حالة غريبة مستهجنة، ومستوردة من الذين يتاجرون بحياة الطبقة التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وهم أكثر طبقة معرضة للأمراض، وصلت الى أن يقوم الطبيب بالإتفاق مع أصحاب المختبرات والصيادلة، لقاء ثمن معلوم! حيث يقوم الدكتور بإرسال المريض للمختبر لإجراء فحص، بالوقت الذي هو ليس بحاجة له! وهذا يزيد الغلّة التي يحصل عليها الطبيب، ناهيك عن الوصفة المشفرة! التي لا يعرفها سوى صاحب الصيدلية الفلانية، من هنا تشم رائحة عالم الحيوان وليس عالم البشر، وكأنه بصراع في غابة، يأكل فيها القوي ضحيته الضعيفة .
هنالك دكاترة قلة قليلة، يكتب على باب عيادته، أجرة الفحص(250) دينار، وهي لا تساوي يومية طفل من عائلة فقيرة، يضيف لها فقرة أخرى، وفق تعاليم علي بن أبي طالب، أبو الفقراء، صلوات ربي وسلامه عليه “،من لا يمتلك أجرة الفحص هنا مجاناً”! وهنا تتبين الفوارق بين من يأكل لحم أخيه ميتاً، وبين من يخسر وقته وجهده ليأتي بأخر النهار غذاء لعائلته “مخمس مزكى “، يضيف لها فقرة عند مراجعة المريض له في العيادة، ناصحاً له بمراجعة المستشفى لإجراء الفحوص بسعر مخفض جداً، وإجراء العمليات كذلك، يعاكسه دكاترة يقبض الثمن لإجراء العملية مقدما، ويجري العملية في المستشفى! فمن هم هؤلاء الذين إنتزع ربي منهم الإنسانية، ليصبحوا من عالم الغاب .