شهدت الدراما العراقية انحسارا كبيرا نتيجة الاوضاع العامة والازمات التي يمر بها العراق والتي اثرت على كل القطاعات الثقافية والفنية والاجتماعية ، ونتيجة لذلك فقد ضعف تواصلها مع الجمهور ، اما لكونها مبتذلة او لانها لاتعبر عن واقع المشاهد الا القليل منها .
وفي ظل هذه الاجواء شاهدنا قبل ايام في قناة الشرقية حلقة بعنوان الطابق 15 من سلسلة كمامات الوطن . وقد كانت بحق عمل درامي جاد حظي باهتمام قطاعات واسعة من الشعب . وجاءت تعبيرا رائعا عن انتفاضة تشرين العراقية الباسلة ، حيث صورت هذه الحلقة استشهاد احد الاطباء بعد حضوره لموقع الانتفاضة في ساحة التحرير في بغداد لعلاج المصابين نتيجة القمع الوحشي للمشاركين في هذه الانتفاضة من قبل السلطة الميليشياوية الحاكمة .
الطابق الخامس عشر الذي هو عنوان العمل المسرحي جاء لكون بناية المطعم التركي التي اعتصم بها المتظاهرين تتكون من اربعة عشر طابقا . وكان حضور الدكتور الشهيد في الطابق الخامس عشر اي في فضاء الشهداء فوق بناية المطعم التركي كموقف رمزي لاستمرار الشهداء في انتفاضتهم .
ان النص في هذا العمل الدرامي قد جاء قويا رصينا هادفا اعتمد على التدرج في السيناريو لتقديم افكار رائعة تعكس عظمة انتفاضة تشرين المجيدة . وجاء سلسلا غير مفتعل حتى وصل في نهايته الى قمة التوتر ، فتعاطف الجمهور مع الممثل المبدع اياد راضي الى حد البكاء . وقد برز الكاتب مصطفى الركابي في هذا النص ككاتب مرموق له مستقبلا واعدا .
كما جسد المخرج المبدع سامر حكمت هذا النص بمشاهد تقارب مانشاهده فعلا في ساحات التظاهر في بغداد والناصرية والنجف والكوت وغيرها ، ووصل الى الذروة عندما اصيب الدكتور برأسه والدخان يتصاعد من جمجمته كما حصل مع الشهيد السراي فعلا . فابرز العنف المفرط لرجال السلطة الفاشية تجاه انتفاضة الشباب السلمية . وقد تعامل مع النص باحترافية عالية وهو يقدم مشاهد من الانتفاضة الشبابية حتى وصلت الى وجدان المشاهد وضميره ، فاعطى للنص الدرامي رؤية معمقة واضحة بعيدا عن السطحيه والسذاجة ، ولذلك وجدنا هذا العمل قد تفاعل مع الواقع بشكل موضوعي رصين .
اما الممثل المبدع اياد راضي فقد تفوق على نفسه في هذ العمل ، وكان بارعا في تجسيد شخصية الطبيب ، ومن ثم الشهيد الذي يبكي امه الثكلى باولادها ، شهداء الانتفاضة ، وقد اصبح بهذا العمل الرائع ممثلا متميزا عن حق ، فهو لايشبه احدا ولا يقلد احدا . وعلى الرغم من كونه ممثلا كوميديا الا انه في هذا العمل قد اظهر امكانيات لامحدودة في التمثيل ، مما اعطى تأثيرا منقطع النظير للمشاهد الذي تفاعل معه بشكل يفوق الوصف فابكى الجميع وهم يستذكرون شهداء الانتفاضة الشباب وامهاتهم الثكلى .
ان الاداء الصادق لبقية الممثلين كان هو الاخر من عوامل نجاح هذا العمل . ولا ننسى الممثلة البارعة صبى ابراهيم التي اجادت دورها باحساس يستحق الثناء ، اضافة الى اداء محمد اياد ، والممثلين الاخرين الذين ساهموا بشكل كبير في نجاح هذه الحلقة .
ان هذا العمل الدرامي قد لاق استحسان كثير من المشاهدين واصبح رقم واحد في مواقع التواصل الاجتماعي كما اثنى عليه كثير من المغردين في تويتر . وقد حصل على مشاهدات تزيد على 14مليون ونصف ، وهذا العدد يمثل استطلاعا مهما لنجاح الحلقة ، كما يمكن اعتباره استفتاء شعبيا لتأييد الانتفاضة في عين الوقت .
لقد كانت حلقة الطابق 15 ممتازة على كل المستويات ، ومثلت تطورا نوعيا في الدراما العراقية .
واخيرا نقدم شكرنا وتقديرنا لكل من ساهم في هذا العمل الابداعي المتميز ، الذي حول النص الرائع الى تحفة فنية راقية ، وعزز روح الانتفاضة التشرينية وشهدائها الابطال . لكم كل الحب والاحترام .
شابو !