23 ديسمبر، 2024 2:01 م

الطائفيّة: أزمة أخْلاق

الطائفيّة: أزمة أخْلاق

أصعب ما يواجه المجتمع العربي اليوم هو بروز الثقافة الطائفية, كبديل للثقافة القومية أو الوطنية (المحلية) التي ترسخت بفعل مقومي العروبة والإسلام في البيئة العربية طوال القرون المنصرمة, والتي أصبحت أحد اهم منجزات التاريخ والحضارة العربية الإسلامية, لكن هذه المنجزات والمكتسبات لم تقوى الذاكرة العربية من الحفاظ عليها, أو التمسك بخياراتها, امام هجمة التطرّف التي تطرق كُل باب مخلوع, وعقل فجاً, لأن التطرّف بصريح العبارة هو ليس إجراء ديني (إسلامي), ولا ثقافة عربية متحضرة, وإنما هو سلوك (فردي أو جمعي), قام به بعض الأشخاص من أجل إرضاء مريديهم ونزوات قادة الاحزاب والحركات الدينية في العالم الإسلامي, وإن تطلب ذلك الإطاحة بكل تلك القيم السامية, أو ما اُطيح بها فعلاً, فالثقافة الإسلاموية اليوم لا تجداً إلا تبريراً  واحداً هو ركب موجة الدين من أجل الدنيا, وتحويل المقدس إلى وسيلة شيئية تُسدّى جانباً حالما تنتهي مهمتها الموكوله إليها والمتمثلة في وصول الجماعات الدينية إلى هرمية السلطة.
   لم يعد في ظل الحضور السياسي القوي للطائفية وجود ما كان يدعو به أطراف النزاع بين كلا المتخاصمين, حيث كان المسلمين يردون على المشركين قولتهم: قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار, أما اليوم ولأن الحرب هي مسلمين ضد مسلمين, وعرب ضد عرب, يجب على المثقف العربي والعاقل والمتفتح ألا يُصدق عبارات قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار, لأن الحضور الطائفي لم يدع أية شرعية لأي طرف بإنه الصواب, طالما هناك فتنة ملعونة, وحربٍ بين العمام والخوال, بين ابناء الجلدة الواحدة, وخيول النفاق تصهل في سوح المعركة, والاناشيد الدينية تحرض الأخ على اخية, الأمر الذي يتعافى ويتقدم على حساب الوطن والمواطنة والسلم الأهلي, ويتغذى على واردات البلد وكفاءاته العلمية, لأن الطائفية ثقافة خاسرة, وتقاليد المهزومين من تحقيق وطن يجمل الكل على طاولة الحوار, بل كان يجدر بالناس هنا أن يتوحدوا ضد خطر الإرهاب وفوبيا القتل, لا أن يفتك أحداهم بالأخر, وهو ما يحصل بعالمنا اليوم.
  فما أحوج الأمة اليوم لطاولة حوار بناء وتقارب فقهي بين الأديان مثلما يدعوا له السيد العلامة علي الأمين, والفقيه المرحوم هاني فحص, والشيخ يوسف القرضاوي, والشيخ احمد الطيب, واخرون كثيرون من معشر مشايخ وفقهاء الأمة العربية التنويرين.
  أن مازق ما يعانيه العرب اليوم عموماً والعراق على وجه التحديد هو ليس نتاج لأزمة دينية أو أزمة سياسية أو أزمة اجتماعية, إنما هو بالأساس هو نتاج لأزمة الاخلاق التي تجاوزناها بطائفيتنا, وتخلينا عن التفكير الإنساني, فصارت الطوائف في نظر الثقافة الطائفية هي رؤية عكسية وسلبية, تُحقر وتدين الطائفة الأخرى, الأمر الذي ولد الضغينة والبغضاء على أفكار مزورة وملفقة و”مُصطنعة في الخارج العربي” يندرج تحت مسميات المؤامرة, الأمر الذي يجعل تفكير الطوائف هو أن تستقيم على جماجم ودماء الطائفة الأخرى, وأن “تتغدى بها قبل أن تتعشى بها”, وهذا هو البعد اللأخلاقي للطائفية, أو أزمة الأخلاق التي مهدت الطائفية ودعت إليها.
 نحن هنا لا نسعى إلا مزيداً من التماسك الأخلاقي والقيمي, ووئد الفتنة, والدعوة إلى نشر ثقافة التسامح والرحمة والإنسانية, فمن يَدّعي الإسلام عليه أن يلتزم بثوابت الإسلام النْصيّة والقطعية الدلالة التي تدعو للرحمة واحترام انسانية الإنسان, وغرس بذور التآخي في أرجاء الوطن, وأي حديث عن الطائفية والفتنة فهو ليس إلا ترويج لبضاعة الإسلام السياسي المستوردة والوافدة إلينا مع فتاوى التكفير المُعلبة والمُعدة في الخارج لتدمير وتمزيق وحدة الصف الوطني, والتساوق مع المخططات الإمبريالية والمتمثلة بنظرية الفوضى الخلاقة وإعادة بناء الشرق إلى كانتونات ودويلات هزيلة وجديدة وفق المقاسات الأمريكية والتي تضمن التفوق الصهيوني وتدفق الثروات الهائلة إلى الجيب الأمريكي.