18 ديسمبر، 2024 10:00 م

الطائفية.. حقائق وخفايا

الطائفية.. حقائق وخفايا

العنصرية والطائفية غرائز متجذرة في النفس البشرية، ومتفرعة في دول العالم أجمع، لا تفرق بين شعوب متحررة كانت أو همجية، فالكل يخضع لقانونها الوحشي، وما حدث في الحرب الفرنسية الأهلية خير دليل على أنها وليدة الداخل الإنساني، وليست صناعة من الرأي العام الخارجي، وكل ما تحتاجه بعض المحفزات لتبدأ وتسري في شوارع الأمم.

لا يختلف أثنان على أن الطائفية بدأت تنمو في العراق، بصورة علنية بعد 2003 عند مشاركة الشيعة في الحكم والعمل السياسي، مما حرك العنصرية داخل نفوس قادة من حكموا البلاد لثمانين سنة في الداخل والخارج، لينقلوها بخطاباتهم إلى جماهيرهم العراقية، كل ذلك بسبب نظرة الأستعلاء لديهم، لأن الدولة كانت لهم على مدار مدة طويلة بخرابها ودمارها؟! ولا يمكن أن يسمحوا بمشاركتها مع الشيعة!

ما حدث بعد سقوط الطاغية وخاصة في سنة 2006 جعل أرضنا خصبة لإستقبال السيارات المفخخة والإرهاب، بتمويل الخارج وتنفيذ الداخل.. حتى أخذت مأخذها من مناطق الشيعة في الوسط والجنوب، فكان لبغداد الحصة الأكبر من القتلى، الأرامل واليتامى، وبما أن لكل فعل ردت فعل فكان للشيعة ردهم في بغداد فقط لحماية أنفسهم.. مما جعل الوضع يصل إلى وتير الإنفجار، و لولا تدخل مرجع المذهب الشيعي السيد السيستاني، بفتوى مفادها “أن السنة أنفسنا” التي كانت الحد الفاصل لوقف الإرهاب العراقي ضد الشيعة، لما بقي سلام و تعايش سلمي في العراق..

بما أن العنصرية إحدى غرائز النفس البشرية، لذلك لم تتوقف الطائفية عند هذا الحد، بل عادت أقوى وأشرس، وأكثر علانية من قبل، لتؤسس لنفسها ساحات في ثلاث محافظات عراقية، وتعلن ما يسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) وكانت أهم شعاراتها هي القضاء على الشيعة وقتلهم، كذلك تهديم مراقد أئمتهم في الوسط والجنوب، والغريب أن المروجين لهذا التنظيم في وسائل التواصل يعتبرون (داعش) هم ثوار من أهل السنة العراقيين، حيث في إحدى منشورات عامر الكبيسي يقول “مع أول لحظة لسقوط بغداد ستنتهي خرافة الأغلبية الشيعية، وسيظهر السنة والكرد أنهم بحدود 60% سترون العجب، ووحدها داعش يمكنها ذلك”

كذلك أحمد البشير يقول في أحدى تغريداته “ثوار العشائر سيدخلون بغداد، ويسقطون حكم الشيعة لتعود القيادة لأهلها”..

كل هذه التغريدات تضاف لها تغريدة فائق الشيخ علي الأخيرة، التي يطالب بها أهل السنة بحمل السلاح وقتال الشيعة، وغرف برنامج “كلوب هاوس” التي تضج بعبارات الطائفية لمقاتلة الشيعة ليس لها إلا معنى واحد.. الطائفية.

كل هذه دلائل على أن التطرف والعنصرية موجودة في داخل كل المجتمعات، وما حدث في العراق من طائفية كان عبارة عن حقد تجاه التمثيل الشيعي في الحكم.. لكن الأهم من ذلك أنها توقفت بعد أن عرف كافة العراقيين، أننا(شيعة، سنة واكراد ) في وطن واحد إن غرق.. نغرق كلنا.

كل هذا أوجد حقائق أهمها أن من ساهم في تحرير الموصل وانقاذ العراق من الطائفية، هم الحشد الشيعي وفتوى المرجعية، كذلك الحقيقة الأهم، أن داعش لم تكن صناعة خارجية.. بل كانت حقيقة داخلية متجذرة، نتيجة نرجسية وعنصرية لأناس ملأ الحقد قلوبهم واسودت أنفسهم..

مع قرب بدء حملات المرشحين، وبعد هذا الكم الهائل من التفرقة ننتظر خفايا ما بعد الإنتخابات، هل ستكون هناك طائفية أخرى أم سنكتفي بحرب أهلية؟