بعد عام 2003 اصبح العراق ساحة نفوذ لدول الجوار والعالم كل يقاتل من اجل مصالحه مستخدم الذرائع التي تمكنه من تحقيق مصالح دولته في بلد استبيحت كل مقدراته، فمن الدول من ركن الى الروابط الاجتماعية واخرى استندت الى روابط دينية مذهبية من اجل استمالة طرف ضد اخر واخرين كانت القومية شعارهم وغيرها من الشعارات التي حاولوا بها استمالة الجمهور لصالحهم فكل اصبح المدافع في ليلة وضحاها .
سعت هذه الاطراف الى شحن كل طرف ضد الاخر من منطلق الاقصاء وتحريك المشاعر الدينية لدى الناس بالشكل الذي يصور الطرف الاخر وكأنه يتربص به ليقتله ويقصيه هو ومعتقداته وكل سلح بافكار دخيلة على الدين الحنيف والمذاهب الاسلامية السمحاء فاليد الخفية لم تكن مخفية في ادلجة الناس ضد بعضهم البعض بالشكل الذي يديم الدمار ويوسع الفجوة بين ابناء الشعب الواحد لكي يبقون في دوامة الصراعات الداخلية وعدم النهوض ببلدهم ومزاحمة الدول في تحقيق مصالحه وبناء دولة قوية تقوض نفوذ تلك الدول من شرقها الى غربها.
من اخطر واهم المصطلحات التي استخدمت لتفتيت العراق وابقائه ضعيفا هو مصطلح (الطائفية) فماذا تعني وما اصلها وكيف وظفت ومن قبل من؟
يعود اصل كلمة طائفية الى (طائفة) والطائفة من الشيء جزء منه كما ورد في القران الكريم الاية الثانية من سورة النور (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) اي انها جزء من كل وهي حالة اجتماعية.
اما المعنى الصطلاحي للطائفية فهو اصطلاح حديث جير للتعبر عن مصالح ضيقة تخص طائفة معينة بغض النظر عن المصالح الوطنية والقومية فالمدرك الاساسي هو الطائفة ، وهناك من يرى بانها اعتماد للتمييز الطائفي بين المواطنين وتشجيع الاحتراب والصراع المذهبي من اجل مكاسب سياسية، اي انها من وجهة نظر اخرى هي نوع من التحزب والالتفاف حول معتقدات معينة واهداف محددة تسعى الى تحقيقها حتى وان تعارضت مع مصالح العامة. ورغم ان الطائفية بمعناها السياسي لا تنتمي للدين في شيء لكنها وظفت من قبل الاحزاب والحركات السياسية بالشكل الذي يوزع الجماهير ويفتتها ليضمن ولائها.
بعد 2003 تم اعتماد النظام البرلماني في العراق وتم توزيع السلطات فيه على اساس المكونات الدينية والاثنية او ما سمي فيما بعد بالديمقراطية التوافقية اي تقاسم السلطة حسب التمثيل لكل مكون على امل ان تذوب هذه الولاءات فيما بعد وتنصهر في بوتقة الولاء للوطن، لكن ما حدث في العراق ومن خلال الاذرع ذات الولاءات الخارجية التي سيطرت على القرار العراقي تحول هذا النظام الى تقاسم طائفي صرف ادى الى تخندقات مذهبية ضيقة غيبت الروح والدافع الوطني لدى الشعب فكل اصبح يغذي جماهيره بالشكل الذي يؤدي الى تحقيق مصالحة دون النظر الى المصالح العليا للدولة فكل طائفة لها احزاب وحركات سياسية ترفع شعار تمثيل المكون وتتبجح بذرائع شتى في الوصول الى اهدافها فطرف يصدح صوته بان الاخر هو حاضنة البعث والارهاب والتكفير الذي يوالي الخليج وبالتالي يحض جماهيره على التمسك بنهجه ودعمه في بقائه في السلطة، ويرد الطرف الاخر بالمثل فيصفه بالمجوسي الرافضي العميل لايران ولم يسلم الطرف الكردي من تلك الاوصاف اذ قيل فيه انه مهد للكيان الصهيوني وعميل للخارج في اضعاف الدولة العراقية.
كل ذلك لم يكن وليد لحظة انهيار نظام صدام حسين بل حتما كان تخطيطا لتدمير العراق الذي بات يعانق التنمية والتطور السريع في ستينيات القرن المنصرم واصبح يشكل خطرا على مصالح الدول المجاورة وبعض دول العالم، فما لهذه الدول الا ان توحدت اهدافها في تمزيق العراق في المجالات كافة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية وبطرق ووسائل شتى كان ابرزها تفتيت الروابط الاجتماعية والدينية بين افراد الشعب الواحد متبعين في ذلك سياسة فرق تسد التي طبقها الاستعمار البريطاني في كثير من مستعمراته سابقا، ولم يكتفوا بتفتيت الشعب وتمزيق قيمه وخلق حالة من الاستهانة والاستهزاء في نفوس الشعب العراقي لكل ما يمت لقيم ومبادى هذا الشعب وبحثوا ونقبوا في كبريات الامور وصغارها واظهروا الماضي الدفين وغذوه برجال الزيف والكذب وسلطوا الاعلام على ما يفرق الامة وادلجوا الشعب فكريا اي انهم اعادوا صناعة الشخصية العراقية بشكل جعلها شخصية سطحية تنعق مع كل ناعق لا تعبئ لمن يحكم العقل دليلا وتهتف لمن يغدق عليها معاشا وان كان باطلا.
من خلال هذه الممارسات استطاعت الدول الباحثة عن مصالحها في الساحة العراقية ومن خلال اذرعها الى صناعة شخصية انهزامية منخورة المبادئ والقيم، واصبحت الوسائل التي تثير عواطف ومخاوف الناس مثل الطائفية وشاكلاتها من الوسائل التي تلجأ اليها الاحزاب والحركات السياسية قبيل كل انتخابات برلمانية او تلجا لها حينما تريد توجيه الشارع العراقي الى امور ثانوية لتتيح لها العمل دون رقابة او متابعة من صاحب السلطة الاصيل وهو الشعب، واحيان اخرى يتم استخدام هذا المصطلح للتسقيط بين السياسيين بعضهم لبعض او بين السياسيين وخصومهم ممن يسعى الى تغيير الواقع المزري الا ان هذا التغيير يقض مضاجع الفاسدين فيلجؤا بكل ما اوتوا من حيلة ومكر بخداع الناس وتوجيههم بشكل يؤدي الى تسقيط خصمهم شعبيا والتخلص من ثقله الجماهيري فتهمة الطائفي اصبحة جاهزة لكل من يطالب بحقه من مغتصبه فيثار الراي ضده بانه يحمل اجندات طائفية الهدف منها تمزيق البلاد وبهذا الشكل يحولون توجه الجمهور من متعاطف الى ناقد وضدي للحركات التي تسعى لتغيير القواعد التي رسموها هم، ايضا كلمة الطائفية اصبحت سلاحا لتغييب الفكر الحر في النقد والتبيين واتباع معتقدات معينة والدفاع عنها فكل من يرى في طائفته الحق (الحق الجزئي) ويحاول ان يدافع عنها بالشكل المنطقي يرمى بالتهم بانه انسان طائفي والحقيقة ان هذا المصطلح تم تأويله ليصب في خانة مصالحهم وعدم تحرير العقل الجمعي من القواعد السياسية التي تستخدمهم كبيادق الشطرنج ولقد صدر في الاونة الاخير من القوانين ما يجرم الطائفية لكن العراقي يغص في القوانين التي تبقى ادراج الرفوف ولا يتم تطبيقها الا وفق المزاجيات السياسية وحسب نفوذ الجهة ودعمها الخارجي وامتلاكها للقوة المسلحة.