7 أبريل، 2024 10:15 ص
Search
Close this search box.

الطائفية البرشلونية والريالية !!

Facebook
Twitter
LinkedIn

يعيش العرب اليوم على الرصيد الحضاري والحنين إلى الماضي برجنسيةٍ مفرطة وشعورٍ ينضح بالرغبة للحياة ومتعتها وشكلياتها، لكنهم لا يجيدون الإستفادة من أصالة تلك الحضارة الإنسانية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ وقدامتهِ بقدر ما يحنون للماضي برغبة عارمة لكنهم يعولون كثيراً على إستيراد الأفكار وتبضع القيم العولمية، لكنهم يكفرون بتراثه الحيّ ويفرطون بتلك الثروة العلمية والحضارية للعرب والمسلمين ويتناسوها بليلة وضحاها؛ ما تبقى لدينا نحن العرب هو فقط التاريخ والقصص والمرويات عن مجد أجدادنا وصولات قادتنا المكتوب على ورق أصفر لقدامتهِ فقط لا غير.
  لم يبقَ في الأندلس بعد هزيمة المسلمين في موقعة العقاب من المدن الإسلامية سوى ولاية غرناطة وإشبيلية، وكان حاكم غرناطة قد عقد معاهدة مع ملك قشتالة، وكان من نصوص المعاهدة أن يحارب مع ملك قشتالة أيًّا كانت الدولة التي سيحاربها، ووصل الأمر إلى مساعدة ملك قشتالة في حصار إشبيلية، لتسقط هذه المدينة الإسلامية سنة 646هـ/ 1248م، وأصبحت كل الأندلس بيد غير العرب وطُرد الإسلام منها بعين تضحك وأخرى تبكي!!
 كل ما تقدمت به في هذا المقال عن الأندلس وسقوطها وهزيمة العرب وإنكسارهم وخيبتهم، ونكستهم، هو ليس موضوعنا الهام؛ وإنما ما يشغل بالي اليوم هو أكبر من سقوط الإندلس، موضوع موجع من إسلوب “المُضحك المُبكي”، ألا وهو موضوع الصراع الرياضي بين العرب والعراقيين تحديداً بين أنصار الإمام ميسي والحاج كريستيانو أبطال فتوحات الأندلس وتحريرها من قبضة البرابرة العرب !!
  أن الموجع والمؤلم هو أكبر من سقوط الأندلس لأن الأندلس أسقطتنا سياسياً, ودينياً، وحضارياً، لكنها لم تسقطنا إجتماعياً، لقد أبتذل العرب وصاروا منقسمين على بعضهم ليس بخصوص الأندلس أو إستردادها وإنما بخصوص الأندية الرياضية في الأندلس؛ يحمل في طياته صراعاً عقيماً بين أطياف الشعب العراقي؛ خصوصاً بين ناديي برسلونه وريال مدريد.
  لم تعد السنة والشيعة هي قوام مكونات الشعب العراقي أو أطيافة، بقدر ما أصبحت برشلونه وريال مدريد هي التنوع المذهبي والعرقي؛ حتى أرتقى الصراع بينهما لدرجة التشويه والتنكيل والإتهام بمجانبة الحق إلى الصهيونية على حساب الإسلام والعرب, والحديث على مواقع التواصل الاجتماعي وصل لدرجة مس الشرف والعرض والقذف بمحصنات المواطنين من أجل الدفاع المستميت عن الإمام ميسي أو الحاج كريستيانو، وأنا على قناعة تامة لو إن العراقيين والعرب يدافعون عن القدس أو تحرير الأندلس بمثل دفاعهم عن “وطنية ميسي” أو “قومية كريستيانو” لتحررت كل الأراضي العربية وانا على قناعة تامة بذلك.
    لقد تحولت مواقع التواصل الإجتماعي إلى منابر إعلامية  ومنصات لإطلاق التهم وتقاذف الشتائم على أشياء تافهة لا تستحق حتى المباهلة أو المناظرة الدعائية، تحول فيها وإزاءها العرب إلى طائفتين طائفة تتبع وتُقلد المرجع الديني الإمام لونيل ميسي, وطائفة تُقلد الشيخ التقي الحاج دونالد كريستيانو على السَّراء والضَّراء !!
  تحول العراقيين إلى جمهور مغمور ولثقافته مهدور، ولعقله مخمور, بعضه يدافع دفاعاً مُستمياً عن ميسي لدرجة تكفير كل خصوم برشلونه وأتباع ريال مدريد وأنصار المرجع الرياضي كريستيانو, وبالمقابل نجد طائفة تقاتل وتجاهد من أجل نصرة المرجع كريستيانو وتشن حملة تشويه وتنكيل بشخص المرجع الرياضي ميسي، وإسقاطه سياسياً ورياضياً؛ أشد ما يؤلمني هو تحْول الشعارات الرنانة والخطابات الساذجة والهتافات البليدة من منصات السياسة إلى منصات الرياضة (!!) وتحْول الرياضة إلى قضية سياسية تجر إلى خصومة وصراع بين أطياف الشعب العراقي على مال بدو لا ناقة لهم فيه ولا جمل!!
  هناك الكثيرون من أنصار التيار الريالي الناشطين في المواقع الألكترونية تجدهم يشنون حملة ضد زعيم التيار البرشلوني ميسي وتعريته ومحاولة إلصاق تهمة مساعدة قوات الأحتلال الصهيوني ودعمه لها مالياً ومعنوياً، لقتل ابناء شعبنا العربي هناك، وإنهم يحاولون أن يُظهروا لنا إن كريستيانو هو مُنقذ العرب وملهمهم وملبي طموحاتهم وإنه بمثابة صلاح الدين الجديد الذي قد يدحر ميسي في تل أبيب ويُعيد هيبة العرب ووقف عملية بناء المستوطنات ووقف ماكنة الهولوكوست المحرم بحق شعبنا الفليسطيني، ما أتفه هذا الخرافات وما أقبح هذا العقل المغشوش والمُحجب عن رؤية الحقيقة أو الوعي بها!!
  أن الهجوم على ميسي لمساعدته للكيان الصهيوني أو لفرقة النخبة الإسرائيلية القذرة هو ليس حباً بالعرب أو بأهل فلسطين وإنما الغاية منه لأنه يُمثل خصماً نداً لكريستيانو, وإن الدفاع عن كريستيانو لا يعني إننا وطنيين وأصحاب شعور وانتماء قومي بقضيتنا الأم (فلسطين المحتلة)؛ لا هذا ولا ذاك كل ما في الأمر إنْ العرب يدافعون على رغباتهم الجنسية ونزواتهم وعن متعتهم وشهوتهم ترفاً وأبتذالاً وأُناسة، لم يعد الشرف أو المبدأ أو القيم هي معيار أتخاذ المواقف أو تحديد إتجاهاتنا بقدر ما تحدد اتجاهات مواقفنا نزواتنا ورغباتنا الفردية وملذاتنا.
أيُها العراقيون الطائفيون بأسم المذهب البرشلوني والطائفة الريالية إنْ لم تستحوا فأصنعوا ما شئتم .. الغرب يحتل الأندلس ونحن نجاهد من أجل نصرة ميسي أو كريستيانو .. ما أجهل العقل العربي .. بل ما أجهل ثقافتنا المُبتسرة !!
هنيئاً لكم أيها العراقيون الطائفيون الأفاضل وغير الأفاضل
أنصروا أخاكم ميسي ظالماً أو مظلوماً !!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب