23 نوفمبر، 2024 10:08 ص
Search
Close this search box.

الطائر الجريح يحاول الطيران من جديد

الطائر الجريح يحاول الطيران من جديد

” تتحول الحياة أحياناً الى لهيبٍ من ألألم والمعاناة والخوف والقلق والضياع. المخلوقات التي تتنفس هي مخلوقاتٍ تتحرك وأي مخلوقٍ يتحرك يشعر بألألم حينما يتمزق جزءأً من حسدهِ. لايهم أن يكون ذلك المخلوق طائراً أو حيواناً يسير على أربعة أرجل أو إثنان – هو مخلوق من دم ولحمٍ وعظام-  . الطيور بأنواعها تتالم حينما يُلطق عليها الصياد – المتحجر القلب- رصاصاتهِ . الصياد يتخذ من تلك الطلقات وسيلة للمتعة أو من أجل الطعام. القطة الصغيرة تصرخ بأعلى صوتها حينما تكتوي بنيران ألألم . المخلوقات العملاقة المتحركة تصرخ هي ألأخرى حينما تصاب بألم قد يكون ناجم من فخٍ في غابةٍ كبيرة أو طلقة قوية مخصصة لقتل الخلوقات العملاقة. ألأنسان هو ألآخر يتألم ويصرخ حينما يتعرض لأي نوعٍ من ألألم- قد يكون ألألم نفسياً او مباشراً كما يحدث عند ألأصابات الخطيرة في الحروب أو الحوادث غير المترقبة.  كان هناك طائرٌ بشري يبحث عن آمالٍ وأحلامٍ في فضاءات الحياة الواسعة المختلفة . يرسم لذاتهِ برنامجاً كان قد إمتد لسنواتٍ وسنوات . سنواتٍ من الحرمان وسنواتٍ من الغليان. ظل يشق طريقهُ وحيداً في غابات تتخللها وحوشٌ وهياكل عظمية مرمية على قارعات الطرق المخيفة صباحاً ومساء. يخرج عند بواكير الصباح ينقب في الحقول والميادين المتبانية ينهل من ذلك  الينوع شيئاً ومن تلك الرقعة الواسعة الممتدة على طول الزمن شيئاً آخر. تتلبد السماء حيناً بغيومٍ شديدة كثيفة تُنذر برعدٍ وبرقٍ وأمطار تغطي كل المساحات الطويلة على طول الأرض وعرضها. يتعثر يوماً وينهض يوما آخر في محاولةٍ للوصول الى أقصى بقعةٍ في الحقول الخضراء وتضاريس ألأرض الوعرة. لم يسانده في تلك الرحلة الشاقة إلا فردٌ مقدس من أفراد المجتمع نطلق علية في التعابير ألأجتماعية – صفة ألأم- .
كلما شعر بالخوف والسأم والجوع والعطش تمد له شرياناً من شرايين قلبها الناصع البياض كي تجعلة ينهض من جديد ..يطير من جديد ليواصل طيرانه المخيف بين جبالٍ وسهولٍ ووديان مرعبة لاتصلح لنمو وحياة الطيور من أي جنس من ألأجناس. وظل الطائر الوحيد يصارع عذابات الروح . يحلم بأشياء وأشياء هنا وهناك. كانت السهول التي يحط عندها الطائر الوحيد جرداء بلا ماء بلا حشائش وأعشاب. راح يبحث بمخالبه بين الصخور يبحث عن كنزٍ ثمين ينقذهُ من هذا الضياع وهذا ألألم المتواصل ليلاً ونهاراً. الطريق طويل – كانَ- وأخاديد ألأرض بشقوقها المتعرجة تضيف الى صراعاته اليومية صراعاً آخر. عند زمنٍ ما شاهد من بعيد أزهاراً وحقولاً وجداول ماء عذبه  وأثماراً تغطي مساحات الكون كله. طار باقصى سرعة كي يستريح ويريح الشخص الذي نطلق عليه في تعابيرنا ألأجتماعية – ألأم- . جلس بين تلك الحقول الغناء وراح يعوض ذاته عن سنوات القحط والحرمان ويحمل الى – أمهِ- كل مايستطيع نقلهِ بين جناحيه كي يرفدها بحبٍ وحنان طال إنتظاره سنوات وسنوات. لم يكن للطائر أب فقد كان يتيماً لم يرَ والده أبدا. بينما كان ينهل من روافد ألأزهار وألأنهار وألأثمار في شوقٍ وسلام. جاء صيادٌ همجي ليس لديه مسحة من مسحات ألأنسانية التي قرأنا عنها في كل الروايات ومناهج التعليم . أطلق رصاصات مميتة . تهاوى الطائر على ألأرض يكاد يلفظ أنفاسه ألأخيرة. من بعيد جائت حمامة سلام مزينة بزنية العشق والحب وجمال الروح. راحت تنفخ في صدرهِ الممزق كل معانِ ألأمل وحب الحياة. شهور طويلة تعادل سنوات بعمر سنوات الكرة ألأرضية ..يئن وحيداً ينزف من كل جزءٍ من أجزاء جناحيه المكبلة بقيود ورباط يشبه رباط الخوف والرعب المنتشره هنا على مساحات البلد الممزق بالغش والحقد والخوف والزيف وألأنهيار. على حين غره, تنفس الطائر من جديد , شعر أن هناك حياة تدب في جناحيه من جديد . خرج الى الفضاء القريب من عشهِ البسيط كي يتمرن على الطيران من جديد ومواصلة الحياة التي فقد منها أشياءٍ كثيرة.”

أحدث المقالات

أحدث المقالات