23 ديسمبر، 2024 10:33 ص

حين يكون الموت هو الحل الاخير، تصبح الحياة ضريحا كبيرا يستدعي القادمين اليه لينقلهم باتجاه حياة اخرى مفترضة، خلاصا من هذه الحياة، الضريح الذي طالما حفره الآخرون لنوارى به بصمت، وبعوامل كثيرة، قبر جماعي كبير هو الوطن، مقابر تتصل باخرى، وشواهد قبور تختلف فيما بينها، ورخام يستل النفوس بآية مطبوعة على الشاهد : ( يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي)، لم تكن نفس حياة مطمئنة، فقد عادت عودة اختيارية مدفوعة بعوامل حياتية قاهرة، كيف للمرأة ان ترى ابنها يموت امامها جوعا، هذا ماحدث في الانبار، ولما لم تستطع اطعام الصغير واسلمته للاغماء والترنح ، اختارت ان تذهب خلفه، هو الموت الذي خطفك، ساذهب اليه بقدمي هاتين.

قررت قرارها الاخير، لما لم تستطع الام ان تعطي الحياة لابنائها، فهي بالمحصلة ميتة لاتمتلك هاجس الحياة ولاقيمها، لم يكن الموت اختيارا، كان نتيجة لماتمر به المدينة، لا ادري لماذا نلوم المنتحرين، وهم من اكثر الناس تحديا للحياة، انها الثورة التي تجعل من الحياة طاغيا جبارا، وتجعل من المنتحر ثائرا كبيرا، حياة كانت فتاة شابة، وابنها البكر تضور جوعا حتى مات، مات في وطن اقل مانقول بحقه( انه لايعرف رأسه من رجليه)، ولايعرف اي مواطن او سياسي او برلماني من يحكم العراق.

نعم جميعنا لانعرف من يحكم العراق ومن يزهق الارواح فيه، كل المجتمعات تعرف اعداءها وتتجنب الاحتكاك بهم، الا نحن، لاندري الصديق من؟ والعدو من؟، نموت جوعا وقتلا وانتحارا، حين تكون الام قبرا وضريحا دائما لابنائها عليها الانتحار، لايهم من يبقى بعدها، المهم انها تفقد الاحساس بالالم، وهو قرار شجاع وجريء، بأي الكلمات ستندب طفلا صغيرا مات جوعا، ونحن نحرر المدن وسط فوضى عارمة وموازين مختلة، جعلت من الانبار والفلوجة فخا كبيرا لساكنيها ومحرريها معا.

لم تفت الا دقائق على موت الطفل، فشعت الفكرة في رأسها، ما الذي انتظره، لقد ذهب خالد وساذهب باثره، ماقيمة الحياة واجزائي مبعثرة وكلي قد مات، لعل في الموت راحة بعد هذا العناء الطويل، لم اطق كوني نازحة فعدت باطفالي الى هنا، بعد ان اختفى ابوهم، من يدري ان هذه الحياة لاتساوي شيئا، غير الذي يختار الفناء، دفنوهما معا، هي وابنها وتركوا فم الضريح مفتوحا لنساء اخريات، هذه
المقبرة ستكون مختلفة، وسنطلق عليها اسم الضريح الكبير، اكتبوا اي شيء، لاداعي للشواهد والآيات، العالم جميعه يتفرج على مأساتنا، فلنؤرخ لتاريخ مليء بالموت والظلم والانهيارات، مدن بكاملها انهارت وانهارت شعوبها، وانهار تاريخ الشعوب معها.

هل سيكون باقي الوطن بمعزل عن هذا الموت؟ كلا والف كلا، ان الموت في وطني هو فايروس خطير ينتقل بشكل سريع، ولايمكن السيطرة عليه، ولذا كان قرار حياة حكيما وكبيرا، انها مأساة ولابد ان تنتهي، اقسم النائب المحترم، انه سيتناول طعام الغداء في لبنان، هيا نتغدى في لبنان ونعود في الليل، طرق المدرس الخصوصي الباب في المنطقة الخضراء ، ليعطي لابن النائب المحترم درسا في اللغة العربية، لقد سافروا الى لبنان، ومتى سيعودون؟ في الليل، تستطيع ان تأتي غدا، طفل يموت من الجوع في الانبار، ونائب يتغدى في لبنان هو وعائلته، انها حياة تستحق الانتحار، ولذا قرر الجميع ان يكون القبر جماعيا تحت اسم الضريح الكبير.