12 أبريل، 2024 5:56 ص
Search
Close this search box.

الضدية الثقافية

Facebook
Twitter
LinkedIn

1
أستهل في هذا المقال بداية رصد ظاهرة الإنتقال الثقافي من عهد إلى آخر على مستوى العراق، وكيف يتصرف العهد الجديد بنفس الطريقة التي كان يتصرف بها غريمه في العهد القديم مع بعض الإضافات التي تتجاوز ذمة القديم وهذه العملية برمتها تتم بتأكيد يبدو لنا أحياناً في غاية البداهة التي يقدمها موضوع الإنتقال بسبب أرتباطها بسلوكيات عقائدية راهنة لم تكن أبداً متوافقة حول ما يحدد الجوهري منها أو النقيض وأعني هنا بالطبع الأختلافات المعرفية والخلافات الفكرية المتراكمة القائمة على الضدية المتقابلة التي تدين لعالم العقائد المميتة المتعلقة في تصفية افرادها باسلوب حداثوي كما يحدث الآن في الثقافة العراقية حيث يصل التطابق والتماثل إلى حدوده اللامعقولة فنجد على سبيل المثال الكاتب الصادق والممتهن للحقيقة وذاك الذي ينتمي إلى حزب ما كلاهما مهدور دمه الثقافي بطريقة ما بائع الخمور أو صاحب صالون الحلاقة كلاهما واحد في المفهوم العقائدي الجديد، وعلى هذا الاساس نرى اليوم هذه الظواهر وقد اتسمت وتحددت بتناقضات عدة، أساسية تكتسب أهميتها من الحالة العامة للنظام السياسي الثقافي الفاقد القدرة على التفكير بتجاوزها وسوف نرى لاحقاً، إلى أي درجة شاركت تلك العقائد وهذه التيارات لخلخلة الصيغة البنيوية للمجتمع مما مهد الطريق لظواهر جديدة أخرى متنامية في طريقها للبروز وبهذا سيتصاعد الاستلاب الثقافي الشامل إلى أقصى نقطة محتملة وسوف يندرج بطريقة تلقائية ضمن هذا الإطار المشار إليه كتعبير عن ضرورة تدخله في إطار تنظيم الحياة الثقافية بالطريقة التي يراها هو مناسبة وبهذا أيضاً تتجدد منظومة الإقصاء في عالم آخر تركتهِ أسوء وأخطر من جمهورية الخوف المستعادة .
ينبغي عليّ الأعتراف بداية بأن فكرة كتابة هذا الموضوع وإعداده كانت تراودني منذ فترة طويلة، فقد أرهقتني صياغته كثيراً، لسبب بسيط يعود إلى التشوش الذهني الذي أصاب تفكيري وأنا أراقب الوضع الدراماتيكي، سياسياً وثقافياً، في عراق اليوم وتقلباته السريالية، وهو تشوش زاده بدلاً من أن يخفف منه تزايد منسوب الجهل بشكل جنوني فاق كل التصورات العقلية وما يتمسك به أيضاً ساستنا البلهاء من مفاهيم عقائدية ترجح كفة المذهب والحزب والقبلية على مصالح البلاد والعباد، وإذا نظرنا من جهة أخرى إلى مفهوم الصراعات المحتدمة القائمة سنرى إن أول ما يتشكل نتيجة لذلك هو صرامة المفاهيم الإقصائية الجديدة المتجددة بفعل سيرورة الأحداث التي تتجاوز المفهوم الحضاري في التعامل مع الحياة بدلاً من إستيعابه وهذا الأمر هو نوع من الاختزال المتعمد لبنية المجتمع ثقافياً، وعليه سوف تتوسع ميادين الصراع ولم تبق مقصورة على الحيز العقائدي ابداً . أترانا نتعسّف بالقول إذ نعرض لهاجس ما في خطاب سياسي أو ثقافي عراقي معاصر في وقت يواجه هذا الخطاب ضمنياً إنكاراً لوجود الطرف الآخر المختلف، وقد كتبنا في مناسبات ماضية انطباعنا الذي يدافع عن حرية الحوار ورصانته فلا نحتاج هنا إلى تكرار ما قلناه والحق أننا لم نصطنع هذا الهاجس أصطناعاً ولم نحمل الخطاب السياسي أو الثقافي وراهنيته على قول ما لم يقله وليس أمر كهذا محض مصادفة لكنه هاجس حرية الرأي والقول والكتابة التي ما زالت حاضرة لدى كل المشتغلين مع الحقيقة المعرفية الذين لا يركبون الموجة حسب ما تقتضيه ضمائرهم الغائبة، ولعمري أن هاجس الحرية هو ذاته برج الإقامة الأبدية التي تحررنا وتُبعدنا عن كل الجراثيم البشرية التي لا تجيد سوى المحاباة والتقليد الأعمى والنفاق وارتداء أردية موسمية وليس انتهاء بالرموز الهجينة المأزومة التي تنتمي لمنظومة التسقيط وتؤسس لها، فالحرية بوصفها حالة الانفلات من قيد الآخر مهما كان شكله، لونه، جنسه، دينه وفكره هي معرفة الحقيقة دون عائق وبإستطاعتنا أن نخلص إلى القول بكل اطمئنان، إن مسار الحرية الحقيقي هو مسار الوعي في المقام الأول ويدفعنا تالياً للبحث في مسارات أخرى لا تقل أهمية تتعلق بـحرية العقل أو حرية الفرد بالرغم من كل الركام الهائل للاباطرة الجدد .
2
بمنتهى الجزم أقول، من يبحث عن الحقيقة يموت وهو في الطريق إليها ومن زاملها في حياته ويومياته تتوقف له أو تستوقفه المتاعب أنىّ رحل أو أقام ومع هذا لايبالي بما يترتب عليه من نتائج وخيمة، فالذي يتعامل مع الكلمة التي لا تعرف التورية سوف يخترق كل الحجابات المصطنعة التي تخفي ما يضمره الآخر أكثر مما يعلنه وأي كاتب حتى وأن لم يكتف بالوضوح أو الرمز سيبقى واقفاً على مشارف الموت، بهذه الديباجة سوف نستقبل القادم من الأيام ولهذا سوف لن نتمنع أو نمتنع من طرح الاسئلة الفضولية التي لا تعفينا من عواقب التمرد التي نبديها حيال تلك الارواح الهامدة لأنها ستموت غالباً قبل أن يدركها الموت .
كيف وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة في عهد الاباطرة الجدد، عهد التزوير واللصوصية والكذب، عهد تحريض الحشود المتخلفة من قبل النخب العقائدية عبر وسائل إعلامية بدائية، في السابق كنا نقارع خصماً واضحاً (ثقافة الصوت الواحد) أما اليوم فنحن بحاجة لأن نتعرف أكثر على خصومنا، من هم؟ هذا السؤال قد يعتبره البعض ضرباً من العبث ولكنه في حقيقته نوعاً من البحث المضني عن كنه الخصوم الذين يمارسون تدمير ثقافة العراق بطريقة ممنهجة، مَن مِن الفئات يمثل الخير المطلق ومن هو الذي يمثل الشر المطلق؟ سؤال عقيم لا نحبذ الخوض في تفاصيل الإجابة المحتملة عنه، لقد روى رونالد ريغان الرئيس الامريكي الراحل مرة للامريكيين ما يفيد باننا، ويعني الامريكيون، مملكة الفضيلة التي تصارع مملكة الشر ويبدو ان العدو حينذاك كان من بنات خياله بالكامل ففي الواقع كانت الحرب الباردة كما هو معروف ليست حرباً تتعلق بمصالح امريكا وخصومها بالمنطقة فحسب، إنها حرباً دينية أيضاً بوصفها أكثر البلدان دينية في العالم وليس ذلك بسبب وجود الأصوليين المسيحيين (وهم هنا أكثر من أي مكان في العالم) فامريكا هي دين الأمريكيين الحقيقي ولأسباب لا علاقة لها بالأناجيل، يتنازعها كل من الكاثوليك واليهود، الأيطاليين والأمريكيين اللاتينيين (والواسب : النخب البيضاء والبروتستانتية الأنغلو ساكسونية) الذين في السلطة، ولهذا وجدت امريكا فرصاً أكثر، في العراق، من أي بلد آخر لكي تلعب دور الأب المحافظ الحامل لمنارة الديمقراطية إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن البنتاغون والادلاء والطارئين ونستطيع هنا أن نصف الأمر في حالة (العراق الجديد) .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب