يوماً بعد آخر ” اذا لم يكن ساعةً بعد ساعة ” تتّسع الأحاديث حول الإبهام الذي يزداد كثافةً ويحيط بالأزمة المندلعة مع تركيا , وتتعددّ الآراء وتظهر رؤىً وافكارٌ وربما مفاجآتٌ , جديدة , والمسألةُ قابلة للتوسّع وفي مجالاتٍ وميادينٍ عدّة
لعلَّ اصعبَ سؤالٍ يواجه المراقبين والمحللين هو < ماذا يريد السيد اردوغان .!؟ > , فكلّ الحجج والذرائع التي تطرحها حكومته غير قابلة للإقناع على الإطلاق , واذا تجاوزنا القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية , فالحدّ الأدنى من المنطق لا يتقبّل من حكومة انقرة التشبّث على إبقاء قواتها في الأراضي العراقية سواءً ايّدها هذا النفر او ذاك .
لا نريد هنا تكرار مناقشة النقطة التي تتعكّز وتتذرع بها تركيا حول وجود اتفاقية سابقة مع العراق لإدخال عسكرييها لأغراض التدريب ” وبأفتراض وجود مثل هكذا اتفاقية ” فأنّ الطرف ” العراق ” الذي يطلب من الأتراك المساعدة في هذا المجال , هو الذي يحددّ انتفاء الحاجة لذلك وهو ” العراق ” الذي يقرّر مغادرة الجنود الأتراك متى ما شاء وباليوم والساعة , وَ وِفق القانون الدولي , وايّ رفضٍ تركيٍّ لمغادرة الأراضي العراقية فهو احتلالٌ بالمفهوم القانوني غير القابل للمناقشة .
وقبلَ أنْ نسترسل وندخل في قلب الحدث , فننعطفُ جانباً للتعرّض الى ” بعض ” الآراء سواءً من تركيا او من اطرافٍ عراقية في الداخل او الخارج , والتي تعارض الإعتراض على التدخّل العسكري التركي , فمثل هذه الآراء واصحابها تبدو منطلقةً من زاويةٍ ضيّقة او ما يقارب ذلك , فهم ” اولاً ” يعتبرون الإحتجاج على التدخل التركي , كأنه خطوة محسوبة على المحور الأيراني – الروسي , وقد يغدو بعض ذلك صحيحا في حسابات الصراع الدولي وفي نقاط وتقاطعات الإلتقاء بين الجهات التي لاتلتقي مع بعضها .! ” ثانياً ” تطرح مثل الأطراف قضية الصمت المطبق لدخول نحو مصف مليون ايراني قسرا الى العراق لغرض الزيارة الأربعينية للإمام الحسين ” ع ” واجتيازهم المنافذ الحدودية بأسلوب العنف , وكذلك إدخال 150 000 افغاني تحوم الشبهات حول انتماءاتهم ومهماتهم اللاحقة , وذلك مقابل الأصوات المدوية المعترضة على التواجد التركي , وهل الربط بين كلتا الحالتين يغدو موضوعيّاً .! وما العلاقة الفعلية بين هذا وذاك , فعدا أنّ احزاب السلطة تقف مع الجانب الأيراني بشكلٍ مطلق , وعدا ايضاً أنّ وحدات الجيش والشرطة في المناطق الحدودية كانت تخشى إبداء او إظهار ايّ ردّ فعلٍ عملي على الطريقة التي دخل بها الأيرانيون , فهل كان بالإمكان لأيٍّ كان إخراج الأيرانيين قبل إتمام الزيارة الأربعينية .! ولا يوجد ” على المستوى الجماهيري مَنْ يقبل بالطريقة التي دخل بها الزوّار الأيرانيون .
” ثالثاً ” من غير المفهوم ولا المُبَرّر إغفال دور الجماهير المستقلة والوطنية في وقوفهم بالضدّ من التدخّل التركي المريب , وحصر الإعتراض على التواجد العسكري التركي بأحزاب السلطة والتنظيمات الأخرى, وذلك إجحاف بحقّ مشاعر عموم العراقيين .
في الولوجِ وإقتحام الضبابيّة السياسية والأمنيّة ايضا التي تحيط الأزمة التي افتعلوها قادة تركيا , فمن الضرورة فتح الملف التركي – العراقي من صفحته الأولى وليس من منتصفه , فبأيّ حق وبأيّ قانون وبأيّ منطق إتّفق الأتراك مع البرزاني ” منذ نحو سنتين ” على إدخال مقاتلي < حزب العمال الكردستاني – التركي > الى داخل الأراضي العراقية ووضعوا حكومة المركز تحت الأمر الواقع بسبب حالة التفرّد الإنفصالية للسيد البرزاني .! ولا يزال هؤلاء مقاتلي < بي كي كي > في مواقعهم ومقراتهم في شمال البلاد .! , والى ذلك , فأنَّ التحسّب البعيد من الوجود التركي في شمال القطر ينطلق من حسابات الأطماع التأريخية التركية بالموصل منذ أن تمّ إخراج وتحرير هذه المدينة من الإحتلال العثماني ضمن افرازات الحرب العالمية الأولى , واليوم يجد < حزب العدالة والتنمية – الأسلامي التركي > فرصته التأريخية للتمهيد في نيل حصّته في الموصل وذلك بالإدخال التكتيكي المبرمج لقواته قرب الموصل تحت سيناريوهات ومونتاج وإخراج خاوية ..!
[email protected]