18 ديسمبر، 2024 9:39 م

الصين: تفجير طاقات الشعب؛ يصنع القوة

الصين: تفجير طاقات الشعب؛ يصنع القوة

تشكل الصين في معادلات القوة والقدرة عقبة كأداء امام التغول الامريكي في العالم؛ مما دفع بأمريكا في البحث عن الوسائل والاساليب في الحد من الاندفاعة الصينية، من ابرز هذه الوسائل؛ هو التضييق على حركة الصين وخلق الاعداء لها او ان تتعاون امريكا مع اعداء الصين، الى درجة اقامة منصات للتعاون العسكري والتقني، والذي تعمل عليه، لاحقا، لجعله قريبا بشكل او باخر من التحالف كما حدث في تقاربها مع الهند، وكما جرى في الآونة الاخيرة؛ في المناورات البحرية المشتركة او التي اشتركت فيها البحرية الامريكية واليابانية والهندية والاسترالية، وهي رسالة تهديد الى الصين في جانب وفي جانب ثاني هي مقدمة للتعاون مع الهند واليابان لتطويق الطموح الصيني في اسيا. من غير الممكن ان تكون هناك حرب باردة بين الصين وامريكا على وفق حسابات ما كانت عليها الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا في القرن العشرين لاختلاف الهدف وحسابات القوة والقدرة. لكن هذا لا يلغي الصراع بل ان الصراع سيكون على اشده في السنوات القادمة. امريكا سوف تستخدم في هذا الصراع، ثلاث منصات؛ غياب الديمقراطية في الداخل الصيني،( صحيح لجهة الواقع..) وتايوان التي تعتبرها الصين جزء لا يتجزأ من اراضيها، والعمل على اقامة تعاون او شراكات مع دول تطل على المجال الحيوي للصين. لا احد بإمكانه التنبؤ في مآلات هذا الصراع والى اي من المحطات سوف ترسو سفنه. الى ذلك؛ نشير الى ان الصين تختلف اختلافا كاملا عن امريكا لجهة الاقتصاد والسياسة والمشاريع، في تحركها في المجال الحيوي المتاح لكل منهما او اللتان تسعيان الى خلقه او تخليقه. في المؤتمر الاخير للحزب الشيوعي الصيني؛ كشف زعيمه عن خطط الصين في استدامة التنمية عالية الجودة، والذي هو ايضا يشغل موقع الرئيس، بالإضافة الى زعامته للحزب، ورئاسته المؤسسة العسكرية. ركز فيها على عدة محاور كان من اهمها وابرزها؛ التنمية يجب ان تعتمد على الذات وعلى الابتكار في السنوات الخمس الاولى اي من عام 2021الى 2025 والى ما بعدها حتى عام 2035أي اعتماد التنمية عالية الجودة، في السوق المحلية من دون اهمال الاسواق الخارجية، الجانب الثاني والذي هو الابرز؛ تنمية القرى والريف، والعمل الجاد والمنتج على ان يحظى الشعب بالعيش الرغيد؛ الجانب الاخر الذي حظى باهتمام كبير من الرئيس الصيني؛ هو الانفتاح على العالم بلا شرط وقيد؛ وكما قال لخلق عالم عادل تكون المساواة رايته وطريق عمله. ( هذا النقل بالمعنى وليس بالحرف) نحن هنا لانشك بصدقية هذا الاتجاه في السياسة الصينية لتلائمها مع التوجه الصيني في صراع القوة في العالم لأنها اي هذه السياسة هي الوحيدة القادرة على مواجهة السياسة الامريكية المضادة للسياسة الصينية، وليس لأي سبب اخر، أو ليس لسبب؛ من ان الصين تريد او تعمل على الخير والعدل في العالم بمعزل عن مصالحها القومية، بل ان السبب في سياستها هذه؛ هي مصالحها القومية في الاول والاخير، في تخليق سياسة عالمية تتفرد بها، تختلف بالتمام والكامل عن سياسة امريكا في العالم وحتى مع حلفائها.. لتشكيل قطب مغناطيسي جاذب لدول العالم الثالث وحتى لدول متوسطة القوة والدول الكبرى ايضا. من اهم ما تعمل عليه الصين سواء في الداخل الصيني او في تعاملها في الفضاءات العالمية؛ هو انها، تعمل على تخليق وضع اقتصادي يقود الى العيش الرغيد للشعب الصيني كما ورد في اعلاه؛ مما يؤدي الى سحب البساط من تحت اقدام السياسة الامريكية ضد الصين، التي يراد منه او من اهدافها؛ تأجيج غضب وربما تاليا، تمرد الشعب الصيني على الحكومة والحزب؛ وفي الفضاء العالمي، تتبع الصين سياسة ناعمة؛ تتحرك بها على منصات عالية المكر، مع جميع دول العالم بما فيها الدول العظمى والكبرى، على رأس هذه الدول، روسيا الاتحادية التي ترتبط معها بعلاقات تعاون وشراكات اقتصادية وليس تحالف باي شكل كان. سكرتير الأمن القومي الامريكي، في مقابلة معه على احدى قنوات التلفزة العربية، قال بالمعنى وليس بالحرف؛ ان ليس في امكان امريكا احتلال الصين فهذا امر غير ممكن ابدا؛ الصين تمتلك جيش قوي جدا، لكن سياستنا في الوقت الحاضر وفي المستقبل؛ هو تطويق الصين، وتحجيمها؛ ببناء تحالفات مع دول الجوار للصين، كما كنا قد فعلنا مع الاتحاد السوفيتي، وقد نجحنا في الانتصار عليه في الحرب الباردة. الصين تختلف عن الاتحاد السوفيتي من حيث النشأة والاهداف والقاعدة الديموغرافية، وموجهات اتجاهات السياسية الصينية، ووفرة المال، اضافة الى ان امريكا القرن العشرين ليست امريكا القرن الحادي والعشرين، كما ان العالم في القرن العشرين ليس هو العالم في القرن الحادي والعشرين. ان الولايات المتحدة في هذا القرن تعاني من مشاكل بنيوية سواء ما كان منها أو ما له علاقة في النظام الرأسمالي او في المجتمع الامريكي الذي يشهد انقساما حادا، اضافة الى تراجع نفوذها في العالم بما فيه حلفائها، وتحديدا دول الاتحاد الاوربي. وزير خارجية فرنسا، وفي خضم المنافسة الحادة بين بايدن وترامب على من يُكتب له الفوز بالسكن في البيت الابيض اي لم يعلن بعد اي منهما الفائز، (تاليا بعد ايام من هذا التصريح؛ أُعلن اعلاميا فوز بايدن) قال بما كان وقد عناه؛ بعد الانتخابات الامريكية لن تكون علاقة أوربا مع امريكا كما كانت عليه قبلها بصرف النظر عن من يكون حينها قد سكن البيت الابيض. قائلا الوزير واضاف؛ ان أوربا ومنذ اربع سنوات تعمل على ان تكون مستقلة عن امريكا في الحقل العسكري اي لا تعتمد على المظلة الامريكية، وفي حقل الاقتصاد وان يكون لها برنامجها الرقمي اي ان تكون مستقلة. والاهم الذي يقع في السياق ذاته؛ هو ان النظام الرأسمالي برمته يشهد اختناقات حادة، هذا النظام الذي ساهمت امريكا او انها؛ كانت شراكتها فيه هي الاكبر والاوسع والاقوى على صعيد تثبيت ركائزه واعمدته في العالم؛ ليشكل اطارا للنظام العالمي الذي يشهد الآن مؤشرات تفككه وانهياره. هناك عالم الأخر ينمو ويتطور ويتوسع داخل رحم العالم الحالي، عندما يكبر بما فيه الكفاية، سيؤدي بضرورة التطور لمحركات صيرورته على تحطيم اعمدة النظام العالمي الحالي، وبالتالي كنتيجة حاكمة للمخارج؛ ستتراجع السطوة الامريكية. أما الصين فهي دولة اعتمدت في صعودها على ذاتها بعد ان انتزعت استقلالها من اليابان بمقاومة شرسة؛ وبعد ان وفرت بجهدها الذاتي عوامل وعناصر صعودها، وحازت عبر جهدها المتفرد هذا على جميع عناصر القوة والقدرة والردع الاستراتيجي مما اجبر امريكا في بداية سبعينات القرن العشرين؛ على اعادة العلاقات الدبلوماسية والسياسية معها باعترافها اي امريكا بصين واحدة؛ بحزمة واحدة لمتغير استراتيجي قاد الى اهم ما قاد إليه؛ هو احتلال الصين لمقعد دائم في مجلس الامن الدولي. علاقة الصين الاقتصادية والتجارية مع دول الاتحاد الاوربي واسعة جدا وهي ايضا اخذه في النمو لناحيتي السعة وعدد المجالات في علاقة متكافئة وندية اي التوازن في المنفعة لطرفي العلاقة. وذات الامر ينطبق على الدول الاعضاء في تجمع اوراسا وفي البريكس وفي غيرهما من التكتلات.. والتي، هي الصين عضوا فاعلا ونشطا ومؤثرا فيها. امريكا تلعب لعبتها المعروفة بها على مدار وجودها؛ وهي تفعيل وتنشيط الخلافات بين الدول سواء ما كان منها؛ خلافات على الحدود او خلافات اخرى تقع على ذات المسار من ناحية تلبد الاجواء بين الدول بغيوم الاختلاف والخلاف سواء ما كان منها تاريخيا او ما كان منها واقعا في البحار او ما تضمه اعماق هذه البحار( بحر الصين الجنوبي والشرقي..) من المغانم المتحصلة من قاعها. في هذا السياق الدول المعنية هي اليابان والهند وفيتنام والارجنتين وحتى روسيا. عليه، تعتبر علاقة الاخيرة مع الصين ليست علاقة تحالف بل هي علاقة تعاون وشراكة في مختلف المجالات. تحاول امريكا التقرب من روسيا للتأثير على علاقة الاخيرة مع الصين بمختلف الطرق المتاحة لها او هي التي تخلقها؛ في ارسال رسائل واشارات تودد الى روسيا من جهة ومن الجهة الثانية تصدر ضدها العقوبات المتتالية في عملية مزدوجة المرامي والاهداف كما لو انها اي امريكا تريد ان تقول لروسيا عليها ان تختار بين هذا الطريق او ذاك الطريق. من الجانب الثاني تستخدم ذات الاسلوب مع الصين في لعبة خاسرة وفاشلة. امريكا وكما قلنا في اعلاه تعاني من مشاكل بنيوية سواء ما كان منها على صعيد المجتمع او ما كان منها على صعيد النظام الرأسمالي او ما كان منها؛ في علاقتها مع مناطق نفوذها او مع اصدقائها او مع حلفائها، فهي تتعامل مع جميع هؤلاء من منصة متعالية مهما كانت مرجعية رئيس الادارة الامريكية؛ جمهوريا او ديمقراطيا، الفرق الوحيد هو نوع ولهجة الخطاب السياسي، وقحة فاضحة للأهداف او ناعمة تختفي الأهداف تحت رقة الكلمات الثعلبية. أن المجتمع الامريكي، يعاني من انقسام عميق جدا؛ فنسبة السكان من امريكا اللاتينية تزداد بشكل لافت على حساب البيض من الاصول الاوربية، ونفس الامر ينطبق على السود، ومع تصاعد العنصرية والشعبوية سيزداد هذا الانقسام عمقا كجدار ينزل عموديا على جسم المجتمع الامريكي؛ ليفضي كنتيجة لتطور واقع الحال الى اهتزاز الانسجام المجتمعي كما هو قد حصل في الانتخابات الاخيرة. هناك علامة فارقة في السياسة الخارجية للعملاقين الاقتصاديين، امريكا والصين؛ الاولى وكما اسلفنا القول فيه؛ تتبع سياسة فرض الشروط، بينما الثانية، لا تفرض اي شرط او قيد؛ تتبع في علاقتها مع دول العالم، سياسة اقتصادية وتجارية واستثمارية ومالية صرفة او انها خالية تماما من اي أملأات سياسية باي شكل كان؛ مما يقود مستقبلا الى توسع نفوذ الصين في العالم على حساب النفوذ الامريكي الذي عندها سينحسر بدرجة كبيرة. هذا لا يعني باي حال من الاحوال، من ان الصين؛ كدولة عظمى ديدن سياستها هو العدل والمساواة والحرية في الرأي والمواقف سواء في السياسة الداخلية التي يتعامل بها النظام الشيوعي مع الشعب او في سياستها الخارجية في الذي يتطلب منها كدولة عظمى، تمتلك حق النقض؛ موقفا واضحا ومنتجا من الظلم والمظالم التي تتعرض لها شعوب الدنيا، بل ان موقفها تمليه عليها مصالحها بصرف النظر عن الحيف والضرر الذي تتعرض له شعوب الارض، لكن ما يخدمها هو ابتكارها لفضاءات اقتصادية وتجارية استثمارية في جميع الحقول، خالية من الاملأات ذات البعد السياسي الذي يمس او يجرح سيادة الدول.. باختلاف كامل عن السياسة الامريكية..