18 ديسمبر، 2024 7:19 م

الصين: تداعيات الحرب في اوكرانيا

الصين: تداعيات الحرب في اوكرانيا

الحرب الروسية الأوكرانية؛ أفرزت الكثير من المواقف الدولية؛ سواء مع روسيا أو مع أمريكا؛ البعض بوضوح، والبعض الآخر بشكل رمادي وغير واضح، الصين على سبيل المثال وليس الحصر؛ أعلنت أنها تقف من الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية؛ على الحياد، لكنها وفي الوقت ذاته؛ تعطي تبريرا للغزو الروسي لأوكرانيا، وتحيله إلى السلوك الأمريكي بصورة خاصة، والناتو أيضا، الذي يتبع السياسة الأمريكية. الصين من مصلحتها؛ أن لا تخسر روسيا بوتين الحرب في أوكرانيا، أو كما يقول عنها الروس، العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا؛ للأسباب التالية:

أولا: خسارة روسيا لهذه الحرب؛ تعني ازاحتها من حلبة الصراع الدولي، أو التقليل من دورها في الساحة الدولية. بالنتيجة وكتحصيل حاصل لهذا الفشل، أو لهذه الخسارة والهزيمة؛ تتفرغ أمريكا بدرجة كبيرة، أو بمساحة مرونة كافية؛ لصراعها مع الصين، كما أنه يشجع، بدافع المصلحة؛ أن تقف الدول المطلة على المحيط الهادئ وآسيا، مع أمريكا بالضد من الصين؛ عندما تتحسس الضعف الصيني في مواجهة الولايات المتحدة الامريكية، في حينها، اي عندما تصبح الصين وحيدة في مواجهة أمريكا، بعد تراجع شريكها الروسي الاستراتيجي، تحت ضغط تطورات القوة والقدرة التي صنعها الواقع الذي تعمل أمريكا في الوقت الحاضر على تخليقه؛ وانكفاء هذا الشريك إلى داخل حدوده مخذولا ومنهكا، (قولي هذا ما هو الا افتراض لغرض التحليل.. إنما الواقع على الأرض يتحرك لصالح روسيا حتى هذه اللحظة)، بذلك تكون الصين قد ارتكبت خطأً استراتيجيا، تخسر به فرصتها الثمينة في توسيع مساحة قيادتها أو مساهمتها في قيادة العالم مستقبلا، إضافة إلى فرصتها في توحيد ترابها الوطني؛ إن وقفت إلى جانب أمريكا أو على الحياد في الصراع الدائر الآن بين أمريكا وروسيا على الأراضي الاوكرانية، وفي الوقت نفسه؛ أن لا تدعم روسيا بشكل مكشوف، بل بالتعاون معها، كما جرى الحال بينهما قبل بدء الحرب في أوكرانيا، وهذا ما تعمل عليه الصين حسب متابعتي.. لكن السياسة الصينية حول الصراع في أوكرانيا من المحتمل جدا؛ أن لا تستمر طويلا. بالذات، حين تتمكن روسيا في الوقت القريب من إحكام سيطرتها على كامل تراب منطقة الدونباس، وعندما لا تقود المفاوضات المرتقبة بين الدولتين، أو لا تفضي إلى نتيجة، بفعل الضغط الأمريكي على الجانب الأوكراني. وهذا هو الاحتمال الوارد، أو الأكثر احتمالا. الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي بسرعة، بما يحفظ ماء وجه روسيا بوتين، كما يقول الإعلام الغربي؛ لحسابات أمريكية، تتعلق أو ذات صلة وجودية بخطط خنق الدب الروسي حتى يفقد طاقة الاوكسجين الضروري لإدامة حركته بقوة وحرية في الفضاءات المحيطة به. عليه فإن القيادة الصينية ستجبرها التحولات المستقبلية؛ على التحرك من المنطقة الرمادية في هذه الحرب إلى منطقة الإضاءة والوضوح.

 

هزيمة روسيا بوتين في هذه الحرب؛ سيفتح الطريق واسعا امام الولايات المتحدة لمحاربة الصين على مختلف الجبهات

 

ثانيا: المسؤولون الصينيون يدركون تماما؛ أن الولايات المتحدة؛ تحاول أن تكبح جماح التطور الصيني، بمختلف الوسائل المتاحة لها، أو التي تعمل على إيجادها في الفضاءات الصينية، في المحيط الهادئ وفي آسيا. وأيضا تعمل الولايات المتحدة على تضييق فرص انضمام تايوان إلى البر الصيني؛ سواء بالدعم المباشر أو غير المباشر من خلال تقوية جيشها بأسلحة حديثة ومتطورة، أو بالإعلان أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال هاجمت الصين تايوان، كما جاء مؤخرا على لسان بايدن، الذي صححه لاحقا البيت الابيض، قائلا: الرئيس لم يقصد التدخل العسكري الأمريكي المباشر. مسؤول صيني رد سريعا على تصريح بايدن، بأشد العبارات لهجة وقوة وتهكما؛ عندما يأتي الضيف نستقبله بالنبيذ الجيد، وعندما يأتي ابن آوى نستقبله ببندقية صيد. وبعد عدة أيام، قال وزير الخارجية الأمريكي، أمريكا ليس في وارد سياستها الصدام مع الصين، لكن الصين تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية في المحيط الهادئ وآسيا، مع هذا نتعامل مع التهديد الصيني بمرونة ودبلوماسية. وهذا يفرض، مصلحيا واستراتيجيا؛ على صانع القرار في بكين الوقوف بطريقة ضبابية وجهها الحياد وجوهرها الانحياز إلى الجانب الروسي. أعتقد أن موقف الصين في المنطقة الرمادية من الحرب في أوكرانيا، لن يستمر طويلا، بل سيتحول شيئا فشيئا لمنطقة الوضوح.

ثالثا: الصينيون يدركون، وبالذات في الأيام الأخيرة؛ أن امريكا تعرف أن الصين في الجوهر تقف إلى جانب روسيا، ولا تريد لروسيا أن تخسر هذه الحرب، وإن قال المسؤولون فيها ما يخالف هذا الواقع، أي أنهم يقفون على الحياد، رغم توجيه اللوم وأسباب هذه الحرب إلى السلوك الأمريكي غير المسؤول، كما يقول الصينيون. لذلك لم يتحفظ الرئيس الأمريكي في ظروف الحرب هذه، أو ظروف صراع القوى العظمى؛ عندما قال بوضوح إن امريكا ستتدخل عسكريا إن حاول الصينيون ضم تايوان بالقوة العسكرية، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكية حول علاقة أمريكا مع الصين حاليا ومستقبلا. فحص هذه المواقف يكشف أن القوى العظمى، امريكا والصين وروسيا؛ حزموا أمرهم في المواجهة والمجابهة في المحيط الهادئ وآسيا والمحيط الهندي؛ الذي شكل وسيشكل على صعيد المستقبل القريب؛ ميدان هذه المواجهة والمجابهة بالوكلاء من الدول المطلة على فضاءات هذا المحيط.. وحتى تاليا في مناطق أخرى من الكرة الأرضية، سواء بالاقتصاد أو بالمال والاعمال أو بالسلاح أو بالشراكات أو حتى حين يشتد أتون الصراع بالأحلاف..

رابعا: القيادة الصينية تعرف تماما أنها لا تحتاج في الوقت الحاضر إلى استخدام القوة العسكرية في ضم تايوان إلى البر الصيني؛ لأن هناك داخل هذه الجزيرة؛ قوى سياسية تعمل بجد على الاندماج مع البر الصيني الأم. ومن الجانب الثاني لا تستطيع أمريكا، على الاقل في الزمن المنظور؛ الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة عن الصين، فأمريكا لم تزل تعترف بالصين الواحدة؛ وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكية مؤخرا، لذا فإن الصين ليست في عجلة من أمرها، فيما يخص ضم الجزيرة إلى ترابها الوطني، إنما المهم هنا والقيادة الصينية تدرك ذلك جيدا؛ أن تقويض السياسة الأمريكية في المنطقة، أي في المحيط الهادئ وآسيا؛ عبر الاستثمارات الضخمة بلا شروط مسبقة، كما قال عنها الرئيس الصيني قبل أيام في مؤتمر ضم دول المنطقة المطلة على المحيط الهادئ وآسيا؛ يقع في مصلحة الصين حاضرا ومستقبلا. كما أن نجاح العملية الروسية في أوكرانيا، كما يقول عنها المسؤولون الروس؛ يقع هو الآخر في مصلحة الصين مستقبلا وحتى حاضرا؛ لأن روسيا ليست الند الاقتصادي والمالي والاستثماري للصين، كما هو حال الولايات المتحدة. موقف الصين الداعم لروسيا سواء في الجوهر وليس في الظاهر حاليا والواضح مستقبلا؛ يقع في صالح الصين وليس العكس.

خامسا: كل من روسيا والصين تعملان، ومنذ زمن بعيد على إعادة صياغة هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفق شروط عادلة؛ على قاعدة عالم متعدد الأقطاب، ما يشكل قطبا مغناطيسيا جاذبا للدول الكبرى غير الممثلة في مجلس الأمن الدولي، الهند مثلا وربما وغيرها.

سادسا: هزيمة روسيا بوتين في هذه الحرب؛ سيفتح الطريق واسعا امام الولايات المتحدة لمحاربة الصين على مختلف الجبهات، وتأسيس شراكات مع دول كبرى تقع في فضاءات التحرك الصيني، كما جرى ويجري منذ أشهر من قبل الولايات المتحدة في محاصرة الصين في عقر دارها؛ بشراكات عدة أبرزها؛ الشراكة بين اليابان واستراليا والهند والولايات المتحدة الأمريكية، هذا من جانب، ومن الجانب الأهم، على صعيد المستقبل؛ فهو سهولة فرض حصار على توريدات الطاقة، النفط والغاز من دول المنطقة العربية وغيرها؛ ما يعني وضع التنين الصيني على منضدة الموت السريري البطيء عندما تدخل الصين في صراع مباشر مع الولايات المتحدة أو حتى صراع بالإنابة كما هو ديدن أمريكا، في كل صراعاتها تقريبا؛ بسبب بقاء سيادة امريكا على العالم، بل في حالة تراجع القوى العظمى المناهضة لها؛ سيترسخ ويتجذر تحكمها في مصير العالم وشعوبه. عليه فإن الصين عاجلا أو آجلا ستنحاز كليا ولو بطريقة مواربة إلى جانب روسيا بفعل تداخل وتشابك المصالح بين الدولتين.

من المهم هنا الإشارة سريعا إلى تغييرات في مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي من الحرب في أوكرانيا؛ لجهة العمل بجدية من قبل ألمانيا وفرنسا؛ لإجراء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، من أجل وضع حل سريع لهذه الحرب. من وجهة نظري أرى أن من الصعوبة أن تقود المفاوضات حتى إن جرت، وستجري على الأغلب؛ إلى التوصل لحلول ناجعة لهذا الصراع أو لهذه الحرب. الولايات المتحدة لا تريد لهذه الحرب أن تنتهي بحصول الروس على ما يريدون، لكن الحرب ستتوقف عندما يتم للروس السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية في الدونباس؛ منطقة الجمود المحاط بأحزمة النار، التي ستستمر في تحًيَن الفرص لإحداث حريق هنا على حافة منطقة الدونباس، أو هناك على الحافة ذاتها في مكان اخر منها.