بالصورة الكلية يتضح المشهد:
لو أخذت صورة لشخص يجلس على مرتفع ونظرت إلى الشخص فأقصى ما يمكن أن تعرفه هو أن هنالك شخص ما، وان كان غير ثابت بحلوسه فلن تعرفه من هيأته العامة، إن نظرت إلى منطقة قربه ستعرف التقاط الصورة في أي فصل من فصول السنة، وان نظرت بعمق ستعرف في أي مكان من نوع النبات أو الزهور النابتة فيه، لكن إن كانت صورتك فانت ستستحضر مشهدا لم تظهره الصورة وهو ما رايته حينها من مشاهد أو أحداث وستستعيد المشاعر إن كنت مبتهجا أم حزينا أم خائفا.
الطفل يتعرف على الحياة من خلال نفسه لكنه يعرّف اسمه وكنيته من خلال المحيط، يبدأ بالانا والتعامل من خلالها ثم سياسة محبطه بقبول اسمه أولا وبعد هذا بقبول ما في البيئة تدريجيا، فان رفض قبول ما في البيئة فسيخرج غريبا شاذا موضع تنمر واستغلال فهو بالتالي سيخضع للتماهي مع كل هذا أو سيدخل في صراع مع مجتمعه.
الأمم تولد في كل مرحلة ولادة التخلف ومن التخلف تولد لتشكل مدنيه كجهد بشري أما حضارتها الفكرية فهي نوع من الانتماء قد يكون رابطا فكريا وقد لا يرتقي ليكون رابطا فكريا فتتشكل العصبية الغريزية سواء مخرجات قرابة النوع أو السيادة أو التدين.
طبيعة الأمم:
عندما لا توجد رابطة فكرية قادرة على جمع الأمة فهنالك خيارات منها:
تجتمع الأمة على المصلحة وتنظيم الحقوق بقانون كما هو حاصل في الغرب
تجتمع على الخضوع للقوة المستبدة من داخلها كما في الشرق إن كانت الكينونة قوية.
تخضع الأمة للاستبداد باسم الدين والشرعية واستدعاء كل ما يثبطها لتخضع للحاكم، لكن التشويه لن يعزل كل الصورة، في مثل الجبل الذي قدمنا به لهذا المقال، وهنا يخلق صراعا إما مدعوما من الخارج من اجل إضعاف الحكم ومنظومته لتبقى طائعة لهم أو تظن أن وجودها بالخضوع لهم مع أن المسالمة للشعب والانتباه له ولحاجاته اكثر اقتصادية وكرامة؛ أو هو حراك من الداخل يزيد من فكرة أن العدو داخلي ويصب في الخضوع لقوى الحماية الخارجية المزعومة، وهكذا يبقى الخارج المستغل مالك للأمر وسيجد الحاكم نفسه وكيلا عن القوة الخارجية وليس وكيلا عن الشعب، وهذا الأمر يجعل الناس تعيش على فوهة بركان يغلي واحيانا يقذف ببعض الحمم فالتطور المدني كما في بلداننا استيراد واستهلاك وليس مشاركة وإنتاج، الطاقات تطرد منه لتدعم القوى المهيمنة وهذه الطاقات هي كفؤ ومؤهلة للعمل وتجد نفسها فيه.
امتنا وهذا التوصيف:
تعرضت الأمة لاصطدامات كما الأرض إن تعرضت لوابل من كويكبات فضائية أو مذنبات صغيرة إلى تشوهات متتالية وانقلابات فكرية وانقلاب على الانقلاب، واخذ الحوار والاختلاف يتعاظم ليس على الأصل وإنما على ما تتأثر به الأمة من جراء الاصطدامات الفكرية لتحوله إلى تشوهات في الفهم للفكر الأساس، وأمم اتخذت من الدين ليس كعقيدة كما أتتها وإنما ضمتها لمجمل معتقداتها وتصالحت مع بعضها ليكون هنالك جسم غريب يحدد الشخصية الفكرية، أمام معتقدات تتعامل مع الغرائز فدخلت الناس في متاهات نراها اليوم واقعا، فلا حلول تأتيها من معتقدها الإسلامي ولا منجاة ممن فهموه خطأ وبأشكال متعددة ما بين المطيع المبرر المبدد وبين المتعصب المبالغ المهذار المهدار، وتجد في الوسط أناس تحاول التصالح مع الواقع أو قيادته أما من خلال النفوذ أو الحكم المباشر وهي ليس لها مشروعا بإمكانه أن يتعامل مع الواقع.
الهيمنة ومعادلة إحباط الخلاص
في ذات الوقت لا مشروع لمن موجود في الريادة إلا البقاء، وحيث أن حمايته في رضا الخارج الذي يحرص أن يبقيه ضعيفا، وإحساسه أن عدوه من الداخل، فغالبا ما يخضع لنصائح التحطيم لعماد وجوده وتقاربه مع الجمهور، فيعمدون إلى استثارة الناس بحجة تحويلها إلى الجانب المرضي لكن في الحقيقة أن ما يحصل قطيعة وبؤر اضطراب ممكن استغلالها إن أتى من يعي المعادلة وحاول تغييرها، وهذه الأمور ليست مكلفة بل هي بان يأتي من لا يملك الأهلية لفترات متعددة وبذلك يفقد قادة الأمة حتى المصلح منها أدوات الإصلاح ونشوء متلازمة العداء للحكومات والسلطات وتشظي الناس فيدعم الحاكم شظية على شظية أو فكرة على فكرة ومع الظلم والاستبداد تضيع فرصة بناء الأمة وبالتالي لا تجد دول لها مشاريع وبرامج غير السلطة وما تشكله من مظاهر عمران في بعضها لكن ليس بكامل آلياتها وتبقى مستخدمة للمدنية وليس منتجة لها.
لا مشروع للسلطة + استعداء الداخل وتشظيه + خلق بؤر قابلة للتفجير بالعقل الجمعي= منع الإصلاح
الصورة الكاملة لا نراها بشخص أو زهرة، عشب، آلة حفر بيده أو بناء، وإنما برؤية كل هذا مجتمعا وما أنتج فعلا بما هو رسالة ومشروع الأمة، فاستيراد المدنية مع مازوشية لقتل الذات ليس إلا سرابا يحسبه الظمآن ماء والحديث بفكر طائفي أو إرعابي إقصائي يمزق الأمة بدل أن يجمعها ما هو إلا خداع للنفس بان الانتحار يعجل بك إلى الجنة، التشظي إلى فرق وطوائف تقصي بعضها وفق أيدولوجيات متطرفة تخلق عوامل انهيار السلطات لانها لا تشكل امه والأمة هي تنوع في الفكر ودرجة التمدن تتفق على نظام فتكون الدولة والا فلا دولة بل سلطة بالجريمة والاضطرابات والثورات ولا استقرار يحقق معنى الحياة، وليس الخلاص من هذا إلا بتصحيحه من العقلاء، أما إنكاره إلى التخلي والانحلال فهو مزيد من التردي بين الأمم التي يحكمها قانون ودولة بنظام يجمع الاختلاف وينظم علاقاته، لكن هذا يبقى يتبع حلما قد لا يتحقق فيصبح الانحلال تدريجيا يحتاج إلى تحديات خارجية لتصفية التحديات الداخلية بطريق أو آخر.