أوشك العام الدراسي على الانتهاء، بعد ان خاض الجميع هذه التجربة بكل ما بها من عوز ونقص وتفاوت بين الممكنات وغيرها، لتشكل ظاهرة يجب النظر اليها بإمعان من كل الجوانب، ابتداء من الوزارة و مرفقاتها والطلبة و متعلقاتهم والنازحين وظروفهم، وتضحيات الجيش وقوى الامن الداخلي و الحشد المقدس وجهاد الصادقين منهم والصابرين، والشهداء الذين منحونا سنة اخرى من البقاء بسدهم المنيع بأذن الله، رغم ما نقوم به من تعويق ونخر وعمل بجهل واتباع باطل ظنا اننا نحسن الصنيع. لذلك سميت المقالة باسم الرواية العالمية ذهب مع الريح، تطابقا مع صورة المأساة الإنسانية التي حلت بالجنوب الأمريكي، نتيجة الحرب بين الشمال والجنوب (صراع الكونفدراليين مع اليان كيين) بسبب التمييز العنصري، كسبب ظاهر لا تختلف كثيرا عن الحروب الطائفية والعرقية الأثنية. حيث دارت الحرب بين الولايات التي كانت تريد الاحتفاظ بالعبيد، وبين الولايات التي تريد تحرير العبيد. وكانت الأخيرة بقيادة الرئيس أبراهام لينكولن. وقد استمرت الحرب بويلاتها من عام 1861 حتى عام 1865 وسقط فيها آلاف الضحايا. وشرد بها الالاف من سكان المدن وانتشر الخراب والدمار في مناطق عديدة. واحترقت مدن بكاملها. وظل العبيد هم العبيد لأنهم كانوا يعيشون بذاكرة الرجل الأبيض، ويعملون بعقل الرجل الابيض.
وعود على بدء، فان كثرة ما يرد على المجتمع من مفارقات واخفاقات، جعل ذاكرة المجتمع ضعيفة جدا، بالكاد تذكر يومها فقط. وصف الاول كمثال للحالة قبل تضخمها، فان له احتياجات ومستلزمات يجب توفيرها قبل البدء بالعام الدراسي القادم، والا تكون المطالبات في نفس الموسم، فيهرع الكتاب والصحافة والقنوات الفضائية والاذاعات والجماعات والأحزاب، بالتبجح والتشدق والعيش على جراح الاخرين، في تلك المطالبات البائسة التي تنم عن الفشل والصيد بالماء العكر، وتكون موسما لكسب الارزاق من خلال تجول المتنطعين بين القنوات الفضائية والاذاعات، ليتباكوا على الموقف، وينشر من ينشر ملفات فساد وغيرها، كما هو الحال في زمن الحروب. ويختلط الغث بالسمين، ويبقى صف الاول والمجتمع كما يصف القران الكريم في قوله تعالى: (هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)).
فلا السوق يرحم بجحيمه الفقراء وذوي الدخل المحدود، ولا حميم الوزارة يروي لهاث العوائل المرهقة، ثم يعلو صوت اخر عن آلاء التعليم الاهلي الذي يعلو سقف تكاليفه عن جيوب الفقراء، فصدوا عنه معرضين إجبارا. وينبري من يعتقد انه قدم فتحا عظيما من خلال افكاره بعد طول انتظار، ليبل صدى الناس بإلغاء التعليم المجاني، لأنه يرهق ميزانية الدولة! ويسارع من ينشر اقراصا تحمل محتويات الكتب، او يرفعها عبر الشبكة العنكبوتية، ليتمكن الناس من استنساخها وتناقلها دون رقابة او تصديق لمحتوى الاقراص المدمجة.
هذا كان استعراضا سريعا لتجربة العام الماضي. ومن البديهي الذي لا يختلف عليه اثنان، ان نتائج هذه التجربة تكون مليئة بالشبهات والانحرافات والمداهنات والضغوط على كل مفاصل العملية الدراسية والتعليم فتلد مشوهة بشعة، ظاهرها جميل وباطنها قبيح، وتكون الحالة اكثر صعوبة في العام القادم، ان لم نسارع بدراسة التجربة السابقة وحل ولو جزء من مشاكلها، ووضع البدائل السليمة التي تهيئ للمرحلة القادمة، لتقليل الخسائر والسير ضمن خطة عمل، بمؤشرات تبين مدى تقدم العملية. ان بعض الاقتراحات تم تفعيلها والعمل عليها من منظور المطبقين لها، لا من قبل المتابعين، ما ادى الى اثقال كاهل المواطن، واخراج التجربة من أطارها الموضوعي، الى أطر التهريج والتنافس غير السليم، ما اجهض التجربة وحولها الى سبيل للابتزاز والتقرب من السلطان. وأغلب المتابعين يعرفون جيدا تجربة (مدرستنا بيتنا) التي اعتمدت بالدرجة الاولى على اصحاب الدخل المحدود، فكانت اسلوب جباية من جهة، ومن جهة اخرى احدى طرق الضغط على الكادر التدريسي.