عادة، ما يكون الوصول إلى السلطة، في المجتمعات المتحضرة، وسيلة لتحقيق غاية معينة، هي تطبيق برنامج يعتقد أصحابه، أنه الأفضل في بناء المجتمع وتطويره. لكن الأمر يختلف في المجتمعات المتخلفة سياسياً، إذ يصبح الوصول إلى السلطة هو الغاية، وهو الهدف المنشود، وليس وسيلة، لذلك نجد الصراعات والتنازع والتنافس السياسي غير النبيل، بين الأفراد والمجموعات، مركزاً بمجمله نحو الوصول إلى السلطة والحكم أو المشاركة فيها، الذي يرافقه في معظم الأحيان ممارسات خاطئة، من غضب وصراخ ومشاجرات وعدوان لفظي وعنف وقتل. ويذهب بعض علماء النفس إلى تفسير هذا الصراع والبحث عن العوامل الكامنة وراءه، فقالوا: إن الأساس الذي تقوم عليه الصراعات السياسية هو سعي كل فرد أو مجموعة للحصول على أكبر مقدار من المنافع بأقل مقدار من الجهد. بينما يرى آخرون أن العوامل النفسية والميول الغريزية والرغبات العميقة لدى الإنسان هي أساس الصراعات السياسية،
*باحث وأكاديمي عراقي
فحب السلطة والسيطرة والحكم والزعامة، هي من الرغبات الإنسانية الأساسية إلى جانب الرغبات الأخرى.
إذن يمكننا القول أن الصراعات السياسية هي ثمرة عوامل كثيرة متداخلة متفاعلة مع بعضها البعض.
وعلى هذا الأساس، نجد أن كل فرد أو مجموعة من هؤلاء، لابد أن يصارع الآخرين لكي يبقى، لأن هذا النزاع هو من أجل إرضاء الحاجات النفسية، يتحول في الميدان والممارسة إلى صراع من أجل السيطرة والحكم. وامتلاك السلطة يهيء لصاحبه امتيازات أساسية عظيمة الشأن، منها الأمجاد والسمعة والفوائد والمتعة، وتصبح السلطة هي رصيد الفرد الأساسي. وهذا يعني أن التنافس على السلطة تولّده منافع السلطة. والسلطة تسمح للحاكمين أن يرضوا أهوائهم على حساب عامة الناس. والسلطة كما يرى بعض المفكرين، هي إغراء دائم، وما إنسان يملك كل شيء ويتحرر من كل رقيب إلا ويضحي بالعدالة في سبيل أهوائه، وتحركه المصلحة الشخصية الأنانية، وله ميل أو استعداد إلى تدمير غيره من منافسيه وخصومه. لذلك تنتقل النزاعات والصراعات الفردية إلى نزاعات بين فئات في داخل المجتمع الكلي، منها صراعات طبقات وعروق وعقائد ونحوها.
إن الشيء المؤلم في طبيعة عملية الصراع السياسي السلبي والعوامل التي يقوم عليها ، هو بروز قضايا يجدر التوقف عندها، الأولى هي العلاقة الدورانية بين شخصية السياسي المتخلف والمجتمع المتخلف. فالإنسان المتخلف سياسياً هو نتاج المجتمع المتخلف سياسياً، وبالوقت ذاته فإن المجتمع المتخلف هو قائم نتيجة لأفراده المتخلفين. لهذا لم يأت أولئك الفاشلون والفاسدون من خارج مجتمعاتهم، إنما هم انعكاس لبنية مجتمعهم.
ولابد من الإشارة إلى أن المقصود بالعقلية المتخلفة هو أن نمط تفكير الإنسان ونظرته للأمور، تتسم بالتخبط الذهني والفوضى والعشوائية وسوء الإدارة وانعدام التخطيط العلمي، والارتجال والجمود الفكري وافتقار الحلول إلى الأسس المنطقية. فضلاً عن العجز عن التحليل الشامل والعجز عن ابتكار تصورات متماسكة عن الواقع.كما يظهر الفساد في المجتمع وتشيع المحسوبية بين أفراده.
والقضية الثانية المؤلمة، هي أن قوة الروابط الاجتماعية بين الأفراد والجماعات هي أقوى من سلطة القانون. فالإنسان في المجتمع ،بهذه الحالة، يرتبط بدوائر اجتماعية عديدة متداخلة تحيط به وهذا الارتباط هو أمر طبيعي، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن تكون قوة هذه الروابط أكبر من سلطة القانون، بمعنى أن يكون الفرد خاضعاً لهذه الدوائر، ينفذ تعليماتها وملتزم بواجباتها ومسؤولياتها أكثر من خضوعه للقانون والدستور. أضف إلى ذلك يكون سلوك الفرد، في أحيان كثيرة، سلوكاً اتكالياً اتجاه الزعيم المتنفذ، أو كبير القوم، وفي حالة من التبعية المقيتة.
وهذه الروابط أو الدوائر عديدة، من أهمها: الأسرة، القرابة، العشيرة، الدين، الطائفة، القومية، الحزب، المنطقة . كما هو موضح في الشكل الآتي:
سلطة القانون
روابط الفرد
وقضية ثالثة، هي أن كل مجموعة من المجموعات المتصارعة، تدّعي أنها تمثل مكوّناً اجتماعياً بأكمله، لذلك فهي تتصارع وتتنافس بإسم مصلحة هذا المكوّن والدفاع عنه، لكن الحقيقة أن أولئك السياسيين الذين يمثلون هذه المجموعة يسعون إلى السلطة والمناصب.