23 ديسمبر، 2024 6:01 ص

الصراع على نفط العراق – 2

الصراع على نفط العراق – 2

جاء اندلاع الحرب العالمية الأولى في 4 آب 1914 ليوقف جميع المفاوضات بشان امتياز النفط واشتد التنافس بين المصالح الاستعمارية المتمثلة بالشركات التي كانت تمثل بدورها الدول ولمصارف ذات النفوذ والصفوة، وقد استولى مراقب أموال الأجانب في بريطانيا على مصرف البنك الألماني في شركة النفط التركية وأخضعها للإدارة البريطانية، وبعد أشهر قليلة قرر تحويل حصة الكتلة الألمانية إلى كتلة شل البريطانية  .
  في مطلع عام 1915عقدت عدة اتفاقيات سرية بين الحلفاء، وكان ابرز هذه الاتفاقيات وأكثرها خطورة على البلاد العربية اتفاقية ( سايكس – بيكو) 16 آذار 1916  . أرست هذه الاتفاقية قواعد السيطرة الأجنبية في الوطن العربي وأخضعته إلى ما عرف بــ (الانتداب) وقد انسحبت آثار هذه الاتفاقية على المصالح النفطية في المنطقة، وبالذات على نفط الموصل الذي أثار مخاوف البريطانيين المساهمين في شركة النفط التركية من أن تحاول فرنسا استخدام حقها في الاتفاقية للاستحواذ على نفط الموصل .
ومن اجل إزالة المخاوف  عمدت  الحكومة البريطانية إلى تعديل يهدف انتزاع (ولاية الموصل) من الفرنسيين وضمها  إلى بريطانيا، وتوصل الجانبان البريطاني والفرنسي إلى اتفاقية  لونك- بوتكر في 8 نيسان 1919( والتر هوتك، هو وزير شؤون النفط  في الحكومة البريطانية عام 1919، أما السناتور هنري بوتكر فكان يشغل  المستشار الفرنسي لمنتجات النفط ) .
 وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت حصة بريطانيا من نفط العراق 70 بالمائة وحصة فرنسا 20 بالمائة، أما النسبة المتبقية 10 بالمائة فخصصت للحكومة العراقية، ولكن مجموعة من الخلافات سرعان استجدت بين الطرفين حالت دون توقيع الاتفاقية، حتى تم ذلك باتفاق جديد في 29 كانون الأول 1919، حيث حصلت فرنسا على 25 بالمائة من حصة شركة البترول التركية، مقابل موافقتها على ((مد خطيين منفصلين لأنابيب البترول وسكك الحديد الضرورية لإنشاء خطوط نقل البترول في العراق وإيران …)).
وعلى هذا الأساس أصبحت حصة شركة النفط التركية موزعة كالأتي:-
– 50 بالمائة  لشركة الانكلو الإيرانية
– 25 بالمائة  لشركة رويا ل د.ج.شل
– 25 بالمائة  لفرنسا
  في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت وزارة الخارجية الأمريكية قد رفعت شعار سياسة (الباب المفتوح) تتلخص هذه السياسة بالنقاط التالية:
– ان يعامل رعايا جميع الأمم معامل متساوية  أمام القانون في الأراضي المشمولة بالانتداب.
– ان لا تكون الامتيازات الاقتصادية التي تمنح بالأرضي  المشمولة بالانتداب امتيازات واسعة لدرجة تجعلها محصورة بجهة معينه.
  – ان لا تمنح امتيازات اقتصاديه بشأن أي مادة.
 وبموجب هذه السياسة اتفقت الشركات النفطية على تكوين مجموعة أمريكية واحدة مكونه في سبع شركات لاستثمار النفط  في العراق، ودعا وزير التجارة الأمريكية  الشركات الأمريكية الكبرى على الاهتمام بالحصول على نفط العراق وان عليهم أن ينشطوا جهودهم ويضعوا خطة عمل، وقال لهم (( اذهبوا أحصلوا عليه)) . كان هذا إنذار ببدء التطلع الأمريكي المركز على المواقع النفطية البريطانية في العراق  .
اشارت الاتفاقية المنبثقة عن مؤتمر ( سان ريمو) إلى ضرورة معاونة الحكومة الأمريكية على تحديد مناطق الانتداب بموجب مذكرة إيضاحية بهذا الشأن ، وقد أعقبت تلك المذكرة محادثات مستفيضة بين شركة النفط (الانكو إيرانية) وعدد من الشركات الأمريكية، بقصد مشاركة أحدى الشركات الأمريكية في شركة النفط التركية، وأنتجت هذه المباحثات تفاهم بين الأمريكيين والبريطانيين في عام 1923 حيث تم تأسيس (اتحاد أنماء الشرق الأدنى) من عدد من الشركات الأمريكية، التي حصلت على نصف حصص شركة النفط الانكلو إيرانية. مقابل حصة معينة تتسلمها شركة      النفط الانكلو ايرانية كتعويض، وبذلك صارت نسبة حصة كل منها (75/23) بالمائة بينما احتفظ ( كولبنكيان) بحصته البالغة 5 بالمائة  .
   في مطلع عام 1923 دخلت شركة النفط التركية في نزاع طويل مع الحكومة العراقية، حيث لم تر الحكومة العراقية في الطلب الذي تقدمت به الشركة لمنحها امتيازا جديدا لاستثمار النفط في ولايتي بغداد والموصل ما يؤيد شرعية الطلب. إلا إن الحكومة العراقية تحت ضغط التهديد بسلخ ولاية الموصل وضمها إلى تركيا وبتأثير معاهدة 1922 المبرمة مع بريطانيا، فضلا عن الدور الذي لعبته المصالح الخاصة لدى بعض أعضاء الحكومة العراقية، اتخذ مجلس الوزراء في 5 آذار 1925 قرارا خول بموجبه وزير المواصلات مزاحم الباجه جي  صلاحية التوقيع على الاتفاق مع شركة النفط التركية ممثلا عنها ادورد هربرت كيلنغ . ووقع ممثلي الطرفين على الاتفاق الذي يقضي بمنح امتياز لاستثمار النفط العراقي لمدة (75) عام .
            وبموجب هذا الاتفاق أصبح لشركة النفط التركية حق التنقيب واستثمار النفط في كافة أنحاء العراق باستثناء ولاية البصرة و(الأراضي المحولة) في منطقة خانقين ، وقد أطلق عليها الأراضي المحولة  في شهر تشرين الثاني 1913 وعندما صار ترسيم الحدود بين الدولتين الفارسية والعثمانية من قبل لجنة عينت خصيصاً لذلك، أعطيت لتركيا قسم في الأراضي التي بحسب نصوص امتياز شركة النفط الإنكليزية الإيرانية كانت ضمن الأراضي الإيرانية وسميت (بالمقاطعات المحولة) ونظم برتوكول تعهدت بموجبه الحكومة العراقية بحفظ حقوق امتياز شركة النفط الإنكليزية الإيرانية في هذه الأراضي وقد بلغت مساحة الأراضي المحولة حوالي 750 ميلاً مربعاً وذلك على اثر تحديد الحدود العراقية الإيرانية.

 (( يتبع))

 المصادر

 فتحي رضوان: هذا الشرق العربي
 عوني عبد الرحمن السبعاوي:    العلاقات العراقية التركية
فاضل حسين: مشكله الموصل
 محمد توفيق حسين: عندما  يثور  العراق 
 وزارة الأعلام: النفط العراقي من الامتياز إلى قرار التأميم       
العلوجي، عباس اللامي: الأصول التاريخية للنفط العراقي
عبد الرزاق الهلالي : معجم العراق
محمد عويد الدليمي:  الأوضاع الاقتصادية في العراق
نوري عبد الحميد خليل: نفط العراق
فيرتز غوريا :  رجال ومراكز قوى  
هوشيار معروف: الاقتصاد العراقي بين التبعية والاستقلال
جواد العطار:  تاريخ البترول في الشرق الأوسط