الغزو الامريكي لافغانستان عام “2001”والانسحاب منها عام 2021 والغزوالعراقي فيما بعد”عام 2003″ ، والخروج منها اواخرعام 2021 لم يأت اعتباطا من دون تخطيط مسبق أونتيجة تخبط سياسي غير مسؤول لادارة “جورج بوش الاب والابن” واقطاب الصقور من الحزب الجمهوري المتشدد ، ولم يكن رد فعل عفوياً لأحداث الحادي عشر من سبتمبر”2001″ الدامية ، او من اجل نشر الديمقراطية في بلدين يحكمهما نظامان قمعيان ومتطرفان “دينيا” و”قوميا”، كما يتصوره البعض ، بل ارى ومعي الكثير من المتتبعين للسياسة الامريكية في المنطقة ، ان الغزو جاء وفق برنامج متكامل وخطة محكمة اعد لها في أروقة أعلى وأضخم مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية ، وليس وفق اهواء متقلبة لزعماء متطرفين كما عند قادة العرب والمسلمين ، فمن غير المعقول لأرقى دولة في العالم علما ومعرفة وسياسة وثقافة وحضارة ان تقدم على عمل عسكري من دون ان تخطط له تخطيطا دقيقا وتحسب له الف حساب ، كما فعلت مع القضية السورية ، فمنذ بداية اندلاع الثورة الشعبية السورية وهي تصرح بضرورة التدخل لصالح الشعب والمعارضة وتسليحها ولكنها تتلكأ وتتراجع دائما في اللحظة الاخيرة بحجة ان التدخل في الشأن السوري ، مهمة عسكرية ضخمة تكلفها بلايين الدولارات، وقد تعود بنتائج عكسية عليها!..
ان من يظن ان امريكا والدول الغربية تشبهنا في التفكير والتحليل والتخطيط سيكون ساذجا وجاهلا ولا يفهم طبيعة العقل الغربي التي تختلف كليا عن طبيعتنا البسيطة العاطفية الهائمة في ملكوت الماضي السحيق! ولا يدرك مغزى القرار الأمريكي بسحب قواتها من العراق في منتصف الطريق ، وقبل ان تكمل مشوارها في تكريس الديمقراطية وحل مشاكله وازماته الطائفية والعرقية التي يعاني منها الان ، ولا يعرف لها حلا!
ولماذا قامت بتسليم مقاليد الحكم للاحزاب الشيعية”الطائفية”على الرغم من معرفتها التامة بتبعية معظم هذه الأحزاب لإيران “العدوة المفترضة لها !” وان العراق سيرتمي عاجلا ام آجلا في حضن ايران ويكون ضيعة تابعة لها؟
وكذلك الامر بالنسبة لأفغانستان ، فقد انسحبت منها وهي تعلم ان قوات الطالبان السنية المتشددة ستجتاح كابل وتسيطر على مقاليد الحكم بالحديد والنار ولكنها فعلت ذلك لاسباب استراتيجية منها ؛ ان ترسخ حالة من التوازن الدقيق بين القوتين المتصاعدتين “الشيعة والسنة” في منطقة الشرق الاوسط وان تضع امام ايران الشيعية نقيضها السني “فكر امام فكر مضاد وثورة امام ثورة مضادة ــ ان صح التعبير!” لكي يوَلّد في النهاية صراع أيديولوجي واسع ، يتحول بسرعة الى حرب مدمرة وفق مشروعها المستقبلي “الفوضى الخلاقة!”..
فهل توجد حالة تخبط في كلتا الحالتين؟ ، طبعا لا!
فعندما ظهرت علائم الصحوة الإسلامية السنية في العالم الاسلامي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من خلال احزاب وقوى سياسية “سنية” برزت في الساحة السياسية ، رأت الدول الغربية انها قد تشكل تهديدا مباشرا لمصالحها ومصالح حليفتها اسرائيل في المنطقة ، لذلك كان على هذه الدول البحث او خلق قوة مضادة لهذه الحركة الصحوية السنية من نفس جنسها ونوعها ومن داخل المنظومة الاسلامية نفسها او المحسوبة عليها.
وعند اندلاع الثورة الإيرانية وتصديرها للمجتمعات التي يتواجد فيها المكون الشيعي مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق وافغانستان و..وجدت الدول الغربية في هذه “الصحوة الشيعية!” فرصة ذهبية لاستغلال اختلافها العقائدي والتاريخي وتوظيفها لصالحها.
وكما استغلت الصراع القومي – القومي لفترة طويلة من قبل إبان تحرر البلدان الاسلامية من ربقة الاستعمار الغربي، وانتشار الايديولوجيات الشوفينية المتطرفة مثل الكمالية في تركيا والبعثية في البلدان العربية التي ساهمت بشكل كبير في دفع القوميات المختلفة الى التقاتل والتصارع الدموي فيما بينها ؛ العرب مع البربر والكرد ، والترك مع الكرد ..الخ ، والان جاء دور الصراع السني الشيعي لاحداث التصدع داخل المجتمعات الاسلامية..
والى ان تتحقق اهداف القوى الغربية في بث الفوضى العارمة في المنطقة وتقسيم المقسم وتفتيت الدول الاسلامية اكثر تمهيدا لاعادة توزيعها من جديد وفق مخطط مشابه لمخططات “سايكس بيكو” الاستعمارية ، ولكنها بصورة اشمل وأعمق!