ترتب على ضربات جوية نفذتها القوات الامريكية ضد أهداف للحشد الشعبي في العراق، قيام محتجين من الحشد وبمشاركة قيادات معروفة باقتحام مقر السفارة الأمريكية في بغداد؛ و نتيجة لهذا الاعتداء جاء الرد الامريكي المباشر من خلال غارة جوية على مطار بغداد بأمر من الرئيس دونالد ترامب استهدفت موكب الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان مشرفا على العمليات العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط و يعد الرجل الثاني في إيران بعد خامنئي.�تصعيد واضح بين الولايات المتحدة و ايران على اثر مقتل المسؤول العسكري الإيراني؛ فقد جاءت تصريحات الجانب الامريكي بعد الغارة لتجدد دعوة الرئيس الامريكي ترامب الى اللاعنف وانه اتخذ هذه الخطوة من أجل منع حرب وليس إشعالها! و يتناغم مع ذلك مع ما قاله وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بإن الولايات المتحدة تريد تهدئة الأوضاع، وان العملية العسكرية قانونية وأنها أنقذت أرواح! في حين اختلف منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط والخليج في إدارة أوباما، فيليب جوردون، في توصيفه لعملية مقتل سليماني و اعتبرها “إعلان حرب” على إيران من جانب الأمريكيين، اما البنتاغون فلم يركز على أفعال سليماني السابقة التي استهدفت قواعد امريكية في العراق واغتيال مقاول أمريكي، والعمليات الإيرانية السابقة ضد ناقلات النفط في الخليج، و غيرها؛ بقدر تركيزه على الضربة و قتل سليماني والتي كانت بمثابة رادع حسب بيانهم، موضحين أن الجنرال كان “يطور بفعالية خططاً لمهاجمة المجندين والدبلوماسيين الأمريكيين في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة”.�الأمر الأكثر إثارة للدهشة ليس استهداف الرئيس ترامب لسليماني، وإنما توقيت توجيه الولايات المتحدة لضربتها الجوية لقتله الآن؟ ولماذا في العراق بالذات رغم تواجده مسبقا في سوريا و لبنان؟ الامر الذي يجعل من اقتراب المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين على المحك لا سيما بعد ان لوح المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بـ “العواقب التي لا مفر منها” جراء قتل الولايات المتحدة القائد العسكري قاسم سليماني فالثأر خطوة متوقعة. �وامام التصعيد الواضح بين الطرفين الذي انتقل عبر مراحل زمنية من تصعيد غير مباشر الى تصعيد مباشر وبلغة السلاح.. يبقى السؤال ما الذي سيحدث بعد ذلك؟�سوف تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لتعزيز دفاعاتهم وهيمنتها بشكل اكبر على امن الخليج و قد تجسد ذلك جليا بعد ان أرسلت واشنطن التعزيزات الأمنية إلى سفارتها وقواعدها في بغداد وزيادة وجودها العسكري في المنطقة بسرعة، في اشارة من ترامب أن قوة الردع الأمريكي لم تزل حاضرة ومؤثرة، خاصة مع تصاعد التوتر في الخليج، و ارتفاع أسعار النفط.�اما الطرف الإيراني فورقة الدعم الواسع الذي يحظى به في المنطقة عبر حلفائه افرادا و مؤسسات واردة والقيام بعمليات عسكرية و امنية و تخريبية ضد القواعد الامريكية ممكنة ، و لعل ما حصل للسفارة الامريكية في العراق مثال حي! كما ان وصف المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عملية قتل سليماني بأنها “أكبر خطأ استراتيجي” للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا وانها لن تفلت بسهولة من تداعيات حساباتها الخاطئة وتاكيدهم على استمرار نهج الجهاد والمقاومة خير دليل على ذلك.�امام التصعيد الامريكي الايراني ما هو مصير العراق؟ وهل سيصبح فعليا ابتداءً من اليوم جزءً من مسرح المواجهة المباشرة ؟ لا سيما ان الغارة التي شنتها القوات الامريكية والتي استهدفت قاسم سليماني ترتب عليها قتل أبو مهدي المهندس الذي يشغل رسمياً نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي لكنّه يعتبر على نطاق واسع قائد الحشد الفعلي، وكان له دور ابان عمليات التحرير من داعش.�التساؤل نابع من طبيعة الردود للقيادات العراقية على اثر المواجهة الامريكية الايرانية المباشرة، و جاءت لتعكس ضعف الموقف الرسمي و هشاشته فمواقف الرئاسات الثلاث كانت خافته أمام حجم الموقف والهجوم، إذ اكتفى رئيس البلاد برهم صالح ادانة الهجوم والدعوة إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل، كما طالب رئيس البرلمان ان لا يتحول العراق إلى ساحة قتال أو طرف في صراع إقليمي أو دولي، أما رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي فقد حذر من أن الضربة الجوية الأميركية تشكل تصعيدا خطيرا يشعل فتيل حرب مدمرة في العراق، ودعا لعقد جلسة طارئة للبرلمان لبحث الهجوم الذي وصفه بأنه انتهاك للسيادة.�التصريحات الرسمية تعكس حجم الخشية والتردد والضغوط الممارسة على الرؤساء الثلاثة سواء من قبل الولايات المتحدة أو إيران و دائرة نفوذ الدولتين على العراق وان الاخير الاضعف في المعادلة وهو الامر ليس بالجديد.. اذن ما الجديد ؟ �انتقال المعركة والمناوشات الايرانية الامريكية الى تصادم مباشر و خطير على الاراضي العراقية التي تسعى لان تنهض من جديد بعد حجم الويلات والكوارث التي انهالت عليها، لا سيما بعد ما حققه الحراك الشعبي والجماهيري المتمثل بالتظاهرات رغم حجم العنف الذي استهدفهم الا انه في النهاية حقق الجزء الاهم وهو مفوضية جديدة وقانون انتخابات جديد و استقالة الحكومة .�المعادلة وفق التغيير الملحوظ في العراق اتت بمعطيات عدة من بينها: �- رفض المتظاهرين جعل العراق ساحة للصراع .�- تأكيد الشارع العراقي بان السيادة العراقية مخترقة.�- ضعف ارادة الطرفين الامريكي والايراني في انهاء المواجهة بينهما و عدم الاضرار بالعراق ومستقبله .�- المواقف المترددة وغير الحقيقية للقيادات السياسية العراقية تجعل من امر الاستهداف للعراق امرا سهلا .�- تصاعد الدعوات لاجراء انتخابات مبكرة وباشراف اممي وتشكيل حكومة مستقلة�بالتالي يتوجب على العراق و وباشراف اممي مع استمرار الضغط الجماهيري السلمي صياغة ستراتيجيتة مؤسساتية وامنية و دبلوماسية، ووضع مصلحة البلد فوق كل الاعتبارات لان الضحايا نتيجة الصراع الامريكي الايراني لن يكونوا غير عراقيين و هذا ما نخشاه و يكفي ما خسرناه من ارواح نتيجة المشاركة في التظاهرات والغارات والمناوشات لأطراف خارجية