23 ديسمبر، 2024 6:16 ص

الصراعات القبلية في جنوب العراق

الصراعات القبلية في جنوب العراق

الكثيرون يعتقدون ان منشأ الصراعات القبلية في جنوب العراق يكمن في التخلّف ورغبة العنف ، لكنّ الحقيقة تقول غير هذا ، كما ان النظرة السلبية لواقع هذه القبائل ليست صحيحة مئة في المئة .
ان الشريط القبلي الأكثر عنفاً في جنوب العراق يمتد من حدود بلدية الناصرية حتى مدينة القرنة البصرية ، مارّاً بمنطقة الأهوار ، كما يتفرع باتجاه مدينة العمارة ، وهذا الشريط هو تماماً موطن القبيلتين اللتين شكلتا الدولة المزيدية الشيعية في منتصف حكم العباسيين ، وهما بنو مالك وبنو أسد ، فيما كانت العمارة مقراً لورثة قبيلة طي وهم بنو لام .
ان هذه القبائل كانت – ولا تزال بنحو ما – تعتقد ان على عاتقها وظيفة حماية التشيّع ، وهو الممتزج بوطنها العراق ، فكانت قبائل الدولة المزيدية تغطّي المنطقة من جنوب الموصل حتى البصرة ، فيما تغطّي قبيلة بني لام المساحة الممتدة من مدينة العمارة حتى شمال مدينة ديالى على طول الشريط الحدودي الشرقي للعراق .
بالتأكيد نحن جزء من الشريط الملتهب لقبائل بني مالك ، والتي أصبحت عنواناً سيئاً لدى البعض ،لكن الحقيقة أن النظرة العامة تجاه هذه القبائل ليست مبنية على واقع تاريخي واجتماعي سليم .
فهذه القبائل ترجع إلى ( مالك الاشتر ) وبالتالي إلى قبيلة ( النخع ) العربية ، وهي القبيلة التي حسمت معركة اليرموك وكُسر فيها سيف زعيمها ( الاشتر ) حتى زوّج ابنته لمن تبرّع له بالسيف الذي قتل به أحد قادة الروم ، وهم سمّاهم عمر ( العراقيين ) وارسلهم لحسم معركة القادسية ، ومن شدة بأسهم فيها صاهرتهم مختلف القبائل العربية فتزوّجت في القادسية سبعمائة امرأة نخعية حتى صار يُطلق عليهم ( اصهار العرب ) . وفي ثورة المختار خالفت هذه القبيلة موعد الثورة ودخلت الكوفة لوحدها وأسقطت سلطة بني أمية الفعلية فيها . ثم ثارت مع بني المهلب مرة أخرى على بني أمية . وفي منتصف حكم العباسيين كوّنت الدولة المزيدية مع بني أسد ، والتي كان قائد عسكرها الشيخ ( ورّام بن أبي فراس ) جد بني مالك ، والذي اسقط بغداد في زمن السلاجقة . ثم ارجعت هذه القبيلة الجيشين العثماني والفارسي لاحقا . فيما كان أحد أبناءها ( الحاج مهلهل ) الأمير العسكري لجيش إمارة ( المنتفك ) . ونهضت بثورة عام 1919م لوحدها ضد البريطانيين وقبل قيام ثورة العشرين العراقية الشهيرة . ولم تعترف بالسلطة الملكية حتى عام 1954 م . فيما ظلّت منطقة ساخنة ومأوى للمعارضين طيلة حكم البعثيين ، على امتداد أرضها من حدود بلدية الناصرية حتى مدينة القرنة البصرية .
وعند سقوط مدينة الموصل كان سبعون فرداً منهم في قاعدة ( سبايكر) قبل التئام خيل المسلمين .
واخيراً حين هجمت داعش على مدينة النجف الاشرف قبل فترة زمنية قصيرة كان فرع هذه القبائل هناك ( ال ابراهيم ) هو المتصدي تطوّعا .
لذا كل رؤية لا تقوم على فهم ان هذه القبائل قد جُبلت على القتال وحمل السلاح لن تكون نافعة في اقناعها بوقف العنف . فهي تعتقد أن وظيفتها القتال ، لكنها فقدت هويتها الموجّهة جرّاء انحلال المنظومة الدينية التي كانت تدعمها ، وتولّي من لا يعي تاريخ هذه القبائل سدة السلطة الدينية ، وكذلك كثافة الكم التجهيلي الذي تبنته السلطات السياسية طيلة مئة عام .
لذا من الافضل توجيه عنف هذه القبائل ، من خلال انخراطها كمنظومة مميزة داخل المؤسسة العسكرية العقائدية .
كما ان ظلمات الخصخصة لن تُزاح إلا بموقف قبلي – أكثر مما هو مدني – لجموع هذه القبائل بعد تحفيزها.

[email protected]