توجد عدة دول حول العالم لديها مجالس أعيان أو ما يُعرف بمجلس الشيوخ والمجلس الأعلى في بعض الأنظمة كجزء من هيكلها السياسي. هذه المجالس تعمل عادة كجزء من الهيئة التشريعية الثنائية إلى جانب مجلس النواب وتلعب دوراً رقابياً واستشارياً في العملية التشريعية. من هذه الدول التي لديها مجالس أعيان أو مجالس تشريعية عليا: كندا-الأردن-المغرب- جنوب أفريقيا-إسبانيا -المملكة المتحدة-الولايات المتحدة الأمريكية-أيرلندا – ماليزيا وغيرهم الكثير في العالم.
ان العراق وبعد عقود من التحديات السياسية والأمنية، يواجه اليوم مشكلة كبيرة تتعلق بالمحاصصة الطائفية والفساد المؤسسي وتدخل القوى الإقليمية في الشؤون الوطنية، وهذا من أكبر العوائق أمام تطور الدولة وتقديم خدمات فعالة للمواطنين. في ظل هذه الظروف، تبرز الحاجة إلى إصلاحات هيكلية عميقة تعزز من الشفافية والنزاهة في عملية صنع القرار، وتقلل من تأثير القوى السياسية على الحكومة وأحد الحلول الممكنة هو إنشاء مجلس أعيان. فهل من الأهمية إنشاء هذا المجلس في العراق لتحسين الأداء الحكومي وتقليل تأثير المحاصصة والانقسام السياسي بعد ربع قرن من التغيير ونشوء جيل جديد من الشباب لم يعاصر مراحل العراق السابقة.
# تجربة العراق ودول العالم
في عهد الملكية العراقية (1921-1958)، كان للعراق مجلس أعيان لعب دوراً مهماً في النظام التشريعي، وكان يهدف إلى تقديم رؤى متوازنة ومبنية على الخبرات لإثراء العملية التشريعية وكان يضم نخبة من الشخصيات العراقية البارزة ودوره كان استشاريًا وتوازنياً بين القوى المختلفة. لم يكن المجلس منتخباً بشكل مباشر، بل كان أعضاؤه يُعينون من قبل الملك. على الرغم من أنه كان مؤسسة نخبوية إلى حد كبير إلا أنه كان يساهم في استقرار النظام السياسي من خلال توفير صوت للخبرة والاعتدال وبالتوازي كان هناك مجلس للإعمار ونتجت عنه مشاريع عملاقة استمر تأثيرها في التنمية لسنوات طويلة بعد عام 1958.
# المحاصصة السياسية وتأثيرها السلبي
المحاصصة الطائفية والسياسية والفساد المؤسسي في العراق تعني توزيع المناصب الحكومية بناءً على الانتماءات الطائفية أو العرقية بدلاً من الكفاءة والمؤهلات. هذا النظام قاد إلى ضعف الأداء الحكومي وانتشار الفساد، حيث أصبح من الصعب على الحكومة تحقيق توازن بين المصلحة العامة ومصالح الأطراف المختلفة. قد تتسبب المحاصصة أيضًا في عرقلة العديد من المشاريع والإصلاحات الكبرى بسبب الخلافات الداخلية وعدم القدرة على اتخاذ قرارات جريئة دون إرضاء جميع الأطراف السياسية.
# كيف يمكن لمجلس الأعيان أن يساهم في تقليل المحاصصة والفساد؟
- (تعزيز الشفافية والمساءلة): أن وجود مجلس يتألف من نخبة من ذوي الخبرة والسمعة الحسنة، يمكن أن يشكل أداة لضمان أن القوانين والقرارات تتخذ بناءً على المصلحة الوطنية العامة.
- (ضمان الكفاءة في التعيينات): يمكن أن يساهم في تقييم التعيينات الحكومية العليا والتأكد من أنها تعتمد على الكفاءة والخبرة بدلاً من الولاءات الحزبية.
- (مراجعة القوانين والتشريعات): مجلس الأعيان يمكن أن يتيح مرحلة ثانية من المراجعة للتشريعات التي يصدرها مجلس النواب ويضمن أن القوانين تُدرس بشكل كافٍ وأنها تخدم مصلحة الشعب ككل.
- (دعم الاستقرار السياسي): مجلس الأعيان يمكن أن يُسهم في تقديم صوت معتدل ومستقر يحول دون التحركات السياسية السريعة أو القرارات غير المدروسة التي قد تؤدي إلى تأجيج الأزمات.
- (تشجيع الإصلاحات الحكومية): يمكن أن يُساهم في دفع عجلة الإصلاحات التي قد تتأخر نتيجة الخلافات السياسية ويمكنه تقديم مقترحات استشارية تعزز من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.
# التكوين المثالي لمجلس الأعيان العراقي
يجب أن تكون هناك بعض المبادئ الأساسية التي تحكم عملية تكوين مجلس الاعيان:
- (التنوع في العضوية): يجب أن يكون أعضاء المجلس من مختلف القطاعات المهنية والفكرية.
- (الخبرة والكفاءة): يجب أن يكون الأعضاء أصحاب سجل مشرف ومتميز من داخل وخارج العراق.
- (التعيين والانتخاب): نظام يجمع بين التعيين وانتخاب للأعضاء خلال البرلمان والحكومة والمنظمات.
4.(الشفافية والمساءلة): يجب أن يخضع المجلس لنظام رقابي لضمان أنه يؤدي دوره بكفاءة وشفافية.
# تحديات تواجه إنشاء مجلس أعيان في العراق
رغم الفوائد المحتملة لإنشاء مجلس الأعيان ومجلس الإعمار، تواجه هذه الفكرة تحديات كبيرة. من أبرزها إقناع أعضاء مجلس النواب بالموافقة على القانون وتوفير الأساس القانوني اللازم لتأسيس المجلسين، وهو ما يتطلب وضع آليات تنفيذية فعّالة واختيار مرشحين بشكل حيادي بعيداً عن التأثيرات السياسية. قد يكون التوصل إلى توافق حول تأسيس المجلسين صعباً، نظراً لمخاوف بعض الأطراف من فقدان النفوذ أو التعقيدات المحتملة في تنفيذ المشروع، لكن الإرادة الصادقة لضمان التنمية والسلام الوطني ينبغي أن تكون الهدف الذي يسعى إليه جميع العراقيين.
# الخاتمة
العراق يزخر بالكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، حيث اكتسب العديد من أبنائه خبرات واسعة في مؤسسات عالمية مرموقة خلال سنوات طويلة ويتطلع معظمهم لخدمة وطنهم والمساهمة في نهضته. من خلال اختيار مرشحين مناسبين من بين الآلاف من العراقيين المؤهلين، يمكن تشكيل فريق متكامل قادر على لعب دور محوري ضمن مجلس الأعيان ومجلس الإعمار، بهدف تعزيز الاستقرار ووضع خطط تنموية طويلة الأمد.