المواجهة السورية الاسرائيلية الاخيرة، وازدياد محاولات الحضور الاسرائيلي في مرحلة التسويات العاصفة لصراعات ما بعد الثورات العربية، وغيرها من التطورات، تؤكد ان مرحلة التسويات تمضي في طريقها، وسنلاحظ خلال الاشهر القادمة صدمات استراتيجية او سياسية جديدة ربما بعضها غير متوقع ويفوق ما حدث، وستحرك البحيرات الراكدة منذ عقود.
المظاهر التي تطفو على السطح وتأخذ شكل أزمات متتابعة قد لا تعبّر عن حقيقة المواقف، فالاسرائيليون اعتادوا، كأي عقلانية سياسية في التاريخ، التصرف حسب ظروفهم، ولكن لا أحد من خارج الدوائر الضيقة يستطيع تحديد حقيقة تلك الظروف. في الاسابيع الاخيرة تصاعدت حدة التعبيرات؛ السياسية والقانونية، والتي تشير الى طرق ادارة وتفريغ القلق السياسي، ومنها تداعيات الاخفاقات والاخطاء التي ارتكبت من وجهة النظر الاسرائيلية على اكثر من جبهة. اليوم يتم اعادة بناء التحالف المناوئ لإيران بسرعة وقوة، ويُسرب الحديث عن تحالف عربي اميركي مسنود بدعم اسرائيلي. ولكن من المنطقي ان لا نقبل بهذا التصور بدون الوصول الى صفقة شاملة وكبيرة وتاريخية تحسم الصراع العربي الاسرائيلي، ومرة واحدة، وهذا ما يفسره تسريبات وتصريحات لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس تحدثت عن قدرة الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب على احداث اختراق تاريخي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لا شك ان النخبة السياسية والعسكرية الاسرائيلية باتت تغادر زمن القيادات الكبيرة. قلق النخبة السياسية الاسرائيلية يأخذ مناحي أخرى، أبرزها الاتكاء على الخطاب الدعائي حول حجم التهديد الايراني، وللاسف يتيح السلوك الايراني في الاقليم الفرصة تلو الاخرى لتصعيد هذا الخطاب.
لقد غابت المبادرات الحقيقية المتبادلة بين إيران، بوصفها الواقعي قوة إقليمية صاعدة بقوة وتواجه تحديات كبيرة، وبين جوارها الإقليمي الكبير المتضرر أحيانا والمتأثر بشكل أو آخر نتيجة ما تتبعه من سياسات تكفل استمرارها بحمل هذا الطموح. في المقابل دخلت إيران في حوار مع الولايات المتحدة بشأن العراق وبدعوة عراقية تتمثل في القوى العراقية المهيمنة على الواقع السياسي العراقي والموالية لإيران، بغض النظر عن مستوى هذا الحوار أو ما وصل اليه. وبعد تأمين العراق ايرانيا دخلت على الخط السوري، وفي اثناء ذلك انهت صفقتها النووية المعروفة.
هناك أسباب وخلفيات عديدة منعت أو أخرت الحوار الاستراتيجي العربي _ الإيراني، بعضها يرجع إلى العرب أنفسهم، وبعضها الآخر يرجع إلى إيران وأجندات الدول الكبرى، ولكن يبدو أن الوقت حاليا أصبح متأخرا على حوار استراتيجي عربي إيراني، بدون ان تحدث صدمة استراتيجية كبرى في المنطقة، اكبر مما مرت به في السنوات الاخيرة.
بالفعل مرت المنطقة خلال اقل من عقد بسلسلة من الصدمات الاستراتيجية الكبيرة المتمثلة بالثورات والتحولات غير المنجزة وبالحروب والاقتتال غير المسبوق والاستنفاد الهائل للموارد، في حين من المتوقع ان المنطقة باتت ناضجة لشيء آخر. المنطقة باتت على أعتاب صدمات جديدة من نوع آخر هذه المرة؛ ومن المحتمل أن يكون أغلبها صدمات سياسية بامتياز.
نقلا عن الغد الاردنية