23 ديسمبر، 2024 12:49 ص

الصدفة فلسفياً وعلمياً

الصدفة فلسفياً وعلمياً

يوجد للصدفة مفهومان:
اﻷول: المفهوم الفلسفي للصدفة ويسمى إصطلاحا ( الصدفة المطلقة).

الثاني: المفهوم العلمي للصدفة ويسمى إصطلاحا ( الصدفة النسبية).

فالمفهوم الفلسفي للصدفة ( الصدفة المطلقة ) المراد منه أن توجد حادثة بدون سبب، وهو مستحيل ، ﻷن الحادث يحتاج في وجوده الى المحدث وإلا صار وجوده واجبا بالذات وهو خلاف كونه حادثا.
وأما المفهوم العلمي للصدفة ( الصدفة النسبية ) فالمراد منها أن يقترن شئ بشئ بدون أن يكون بينهما علية أو تسبيب واﻷمثلة على الصدفة النسبية كثيرة جدا فمثلا يقترن إنقطاع التيار الكهربائي مع دخول صديقك الى بيتك فهذا اﻹقتران مجرد صدفة نسبية وليس بين انقطاع التيار الكهربائي ودخول صديقك للبيت أي تسبيب وعلية.وهاتان الحادثتان لهما أسبابهما فإنقطاع التيار الكهربائي له سببه ودخول صديقك البيت له سببه.

والصدفة بالمفهوم العلمي ( الصدفة النسبية ) غير مستحيلة عقلا…
وقد يعبر عن الصدفة باﻹتفاق نقول صادف أو أتفق …
وفي التقويمين الهجري والميلادي نقول المصادف أو الموافق إشارة الى الصدفة النسبية التي نعبر بها عن أقتران هذا اليوم من التأريخ الميلادي بهذا اليوم من التأريخ الهجري…
فقد يصادف ان يأتي شهر رمضان في الشتاء وقد يصادف أن يأتي في الصيف أي أن شهر رمضان يطوف على كل أشهر السنة الميلادية…
وقالوا في اﻷمثال ( رب صدفة خير من الف ميعاد ) يعني أنك بدون قصد وتسبيب تلتقي بصديقك أما الميعاد فهو القصد والتسبيب لرؤية صديقك.
وهذه هي الصدفة بالمفهوم العلمي ( الصدفة النسبية ) وهي ممكنة عقلا وغير مستحيلة…
ومن المؤسف جدا أن هناك عقلا جمعيا لدى الكثير من الناس وخاصة بعض المتدينين ، فهم بمجرد أن يسمعوا كلمة ”صدفة ” يقولون لك ( أتق الله نحن لا توجد عندنا صدفة )!

وقد إتضح أن الصدفة المطلقة مستحيلة الوجود على عكس الصدفة النسبية فهي ممكنة وغير مستحيلة ، وإن أغلب إستعمالات كلمة الصدفة المراد منها الصدفة النسبية أي المفهوم العلمي للصدفة وليس الصدفة بحسب المفهوم الفلسفي ( الصدفة المطلقة ).
وبعد هذا التوضيح لابأس أن نتوسع أكثر في الحديث عن الصدفة..

ما هي الصدفة ؟
إن إدراك معنى الصدفة يتوقف على إدراك المعنى المقابل للصدفة وهو اللزوم ، فإن عدم اللزوم يعني الصدفة.
وتتضح فكرة اللزوم من خلال هذا المثال:
نلاحظ أن النار والدخان متلازمان أي أن بينهما علاقة اللزوم ،فالدخان لازم النار ، والنار ملزوم الدخان ، أي أن إقتران الدخان بالنار هو بسبب اللزوم الواقعي بينهما ﻷن النار علة الدخان والدخان معلول النار ، فالمعلول لازم ، والعلة ملزوم..
إن إقتران الدخان مع النار بسبب علاقة اللزوم الواقعية التي تربطهما..واللازم يستحيل عقلا التفكيك بينه وبين ملزومه.
وليس كل إقتران بين شيئين أو أكثر يكون بسبب اللزوم ، ﻷن اﻹقتران بين اﻷشياء تارة يكون بسبب علاقة اللزوم بين اﻷشياء.
وتارة يكون إقتران بدون لزوم وهذا هو معنى الصدفة.
فاﻷقتران أعم من اللزوم ﻷن اﻹقتران يشمل اللزوم ويشمل الصدفة النسبية.
واللزوم يشمل العلة والمعلول كالنار والدخان ويشمل أيضا المعلولين لعلة واحدة كالدخان والحرارة فهما معلولان للنار أي أن الدخان والحرارة بينهما علاقة لزوم ﻷن علتهما واحدة وهي النار فالدخان لازم النار والحرارة لازم النار.
—————————–