يوم التاسع من اكتوبر عام 1998، لم يكن يوما عاديا في تاريخ العراق، فيه اقبلت الالاف من محافظات العراق الى مدينة الكوفة في محافظة النجف (وسط العراق).. في تحدي واضح من قبل الشهيد محمد الصدر لحكومة الديكتاتور صدام وحزبه الدموي..
كان استعراضا للقوة، أمتلأ الشارع الجنوبي من الولاية (النجف) الى الكوفة بسيارات الاجرة الكبيرة نوع ريم، والتي تسع لاكثر من 50 راكب، ومن جهة شمال الكوفة، وصلت السيارات من العاصمة بغداد، وقد شهدت الساحة الواسعة المجاورة لمرقد ميثم التمار وصول العشرات من السيارات.. في تجمع بشري لم تشهده الكوفة منذ الف عام او اكثر…
ضج مسجد الكوفة بالاف المصلين، واضطر مريدي الصدر ان يفرشوا للصلاة في الشارع الفاصل بين المسجد وشمال الكوفة ، وبين المسجد وغربها الذي يتضمن مسجد السهلة. وقد امتدت الاجسام البشرية حتى جسر الكوفة الشمالي، الذي يبعد حوالي كيلومتر عن المسجد..
وكان الصدر، قد دعى الى هذا التجمع قبل اسبوع .. فقال:
ان ولادة الزهراء سوف تقع في يوم الاثنين على ما هو المظنون. ثم في الجمعة التي تليها، في الحقيقة الذكرى السنوية الاولى لتأسيس صلاة الجمعة في العراق، فالرجاء .. الا تقصروا في الحضور الى مسجد الكوفة لاحياء هذه الذكرى.. طبعا اذا بقيت الحياة واما اذا لم تبق الحياة -وهذا امر متوقع في اي نفس وفي اي يوم- فاسألكم الفاتحة والدعاء .. وشيء آخر رئيسي وهو ان
تحافظوا على دينكم ومذهبكم ولا تدعوا هذا الزرع الذي حصدتموه بفضل الله سبحانه وتعالى ان يضيع وان يجف. لا، حافظوا عليه….. طبعا انشاء الله ان الشجاعة موجودة… والوعي موجود.. والدين بذمتكم والمذهب بذمتكم .. لا ينبغي التفريط به لا بقليل ولا بكثير. انا لست مهما بوجهي ولابيدي ولا بعيني وانما الشيء المهم هو دين الله…
هذه الملايين وصفها احد معممي النجف – ممن يدعي المرجعية- بانهم حماميل.. ووصف الصدر بانه مرجع الحماميل.. وهذا يكشف واقع النجف دينيا وحوزويا حينها.. ويفضح صورة الطبقة الدينية التي تحكم النجف والحوزة .. وهي تقسم الشعب الى طبقات.. بل تتعالى وتنظر الى الشعب على انه حماميل.. فضلا عن امور اخرى، يكشفها هذا التصريح لهذا المعمم وهي:
اولا: تأثير الصدر شعبيا، لان الحماميل هم ممن يعيش في الساحة، وبالتالي يكون الصدر قد امسك باقوى ذراع الساحة العراقية..
ثانيا: قرب الصدر من الشعب، لانه قد اوصل صوته الى شرائح المجتمع ذات الاطلاع .. والى الشريحة البعيدة ، وهم الحماميل المنشغلون بلقمة العيش ..!
ثالثا: خواء وترف معممي النجف –حينها- لانهم ممن يتعالى على العراقيين الفقراء وخاصة الحماميل، ولا يفتحون بيوتهم الا للتجار وللقادمين من دول الخليج او ايران..
رابعا: يكشف تصريح المعمم عن الفجوة بين الصدر والجانب التقليدي ، فضلا عن شدة المعارضة من قبل معممي النجف ضد الصدر..
خامسا: اتحاد موقف هذا المعمم ومرجعيته مع الديكتاتور صدام في معارضة الصدر وقواعده الشعبية..
سادسا: ان هؤلاء الحماميل هم في الواقع الطبقة الثورية وتتضمن اساتذة وشعراء وفنانين .. وقد تشرفت بكوني احد الحماميل الذين قلدوا الصدر وحضروا ذلك المهرجان المعارض للديكتاتور ولمعممي الشاهنشاهية في النجف..
والجدير بالذكر.. ان هذا التجمع الصدري ، تزامن مع دعوة الديكتاتور صدام الى اتباعه لتقديم البيعة له في تكريت.. فقد كان في هذا اليوم تجمعان:
الاول: هو تجمع حكومي في تكريت لاجل مبايعة صدام..
والثاني: هو تجمع معارض في الكوفة لمبايعة الصدر..
وفي هذا اليوم العظيم.. تم تنصيب الصدر مرجعا للحماميل.. الذين حملوا هم الوطن .. ولا زالوا يحملون على اكتافهم خشبة الصلب، وهم يواجهون طبقة الفاسدين والعملاء من اصدقاء وذرية وعشيرة ذلك المعمم القابعين في قصور الشعب في الخضراء والجادرية من ايتام الشاه وبريمر..!
وقد جسد هذا المعمم او المتمرجع، الاية 27 من سورة 11 الكريمة ونصها: .. فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا..
وللحديث بقية..