23 ديسمبر، 2024 10:55 ص

الصدر.. ” متجر Play” الانتخابات القادمة

الصدر.. ” متجر Play” الانتخابات القادمة

كاسيوس كلاي.هذا هو الاسم الأول للملاكم العالمي محمد علي كلاي، قبل أن يصطادهُ إيلاجا محمد في مجتمع الغرب الأمريكي.هكذا فإن قبضة محمد علي، باتت تضربُ بقلبٍ، يشرفُ الزعيم الإسلامي- إيلاجا محمد على إشراقاتهِ الإيمانية، وبخفةٍ أضافها لهُ صديقه المعروف بـ “مالكوم أكس”، المشهور بقابليته الجدلية التي كثيراً ما صرعت خصمه بالضربة القاضية. الصدريون والأحرار-الذراع السياسي للتيار،يعتاشون على شرعية الزعيم العراقي الشاب، مقتدى الصدر، بل إنّ اسمهُ صار لِباسهم الرسمي في وسائل الإعلام. هذا الابنُ الرابع لـ محمد محمد صادق الصدر،هاجم علناً الرئيس العراقي السابق صدام حسين وحزب البعث الحاكم، ليورّث بعدها، جلالة هذا الموقف في الذاكرة الشعبية الى الابن مقتدى. المفارقة التاريخية الطريفة فيما يخصُ تاريخ ولادةِ هذا الزعيم الشاب(12 أغسطس-آب1973)،أن شهر أغسطس جمعهُ مع محمد المهدي بن عبد الله بن فحل، المولود في (8 أغسطس 1843)، زعيم الثورة المهدية.

الشاب الصدري الذي تحكمهُ جيناتُ أبوه، وطالع شهر أغسطس الغارق في الثورة المهدية، كان قد أطلق سراح خطّه السياسي من زنزانة الطائفة التي ينتمي إليها، وأبدى استعداده للتحالف مع العلمانيين.إطلاقُ السراح هذا ربّما ما كان ليأخذ هذا الاهتمام الإعلامي، لولا الصدفة التي جمعتهُ مع أياد علاوي، زعيمُ العلمانية والقومية العربية في العراق. البلدُ الذي نكص على عقبيه طوائفاً. العراقي العربي علاوي،كان قد أعلن تجميد العروبة في خطّه السياسي،الاثنين الماضي- 8 كانون الثاني 2017.هذا الانقلاب الشتوي على القومية العربية، يشبهُ إصدار الجنرال الأمريكي دوغلاس ماكارثر حكم الإعدام على دين الشينتو في اليابان،بعد احتلالها سنة 1945.علاوي ذو الثلاثة والسبعون عاماً،أسرع بمصافحة الصدر الذي يصغرهُ بأكثر من ربع قرن (ثمانية وعشرون عاماً). سؤالنا المركزي الذي يشبهُ عظمة الهدهد: ما هو التيار الصدري؟ ولكن قبل الإجابة فلنبدأ الحكاية.

الانتخابات القادمة.. حفلة تنكرية أم صالة وِلادات قيصرية!؟

ابراهيم العبيدي، وجد إن هنالك سؤالاً، تستطيعُ إجابتهُ أن تكون سوناراً لسبر بطن الانتخابات القادمة. سونار السؤال كان عنواناً “سؤال اللحظة..هل يكسر تحالف الصدر وعلّاوي جدار التحالفات الطائفيّة الإيرانية بالعراق؟”.

العبيدي، نشر تفاصيل المفاجأة الصدرية – العلّاوية، يوم الثالث من تموز 2017 ” فاجأ التيّار الصدريّ قواعده الجماهيريّة في 22 حزيران/يونيو من عام 2017 ،بالإعلان عن اتّفاقٍ مع ائتلاف الوطنيّة،بزعامة إياد علّاوي على تشكيل تحالف سياسيّ جديد بين الطرفين”. طبعاً هذهِ المفاجأة كان قد أعلن عنها ائتلافُ الوطنية الذي يتزعمهُ علّاوي، الجمعة 19 مايو 2017، وكما نعرفُ عن معظم بيانات الائتلاف، فأنها تبدو خجولة، وكأنها مُخصصة لتناولِ كوب شاي، لم تسبقهُ وجبةُ غداء أو وعد مستقبلي بتناول العشاء “قال علّاوي: في إطار انفتاحنا على القوى السياسية في المجتمع العراقي، استقبلنا ليلة أمس وفد الهيئة السياسية للتيار الصدري برئاسة احمد الصدر”. زِبدةُ البيان كانت ” حصل التوافق التام في وجهات النظر إزاء تحقيق المصالحة الوطنية وبناء الدولة المدنية، دولة المواطنة، ومؤسساتها على مفاهيم العدل والمساواة وسيادة القانون.اتفقنا على مفصلية الانتخابات القادمة، وبما يستدعي سنّ قانون انتخابات جديد وتغيير المفوضية الحالية، وقد تسلمنا رسالة من السيد مقتدى الصدر تشتملُ وثيقتين”.

ائتلاف الوطنيّة، لم يعتبر التحالف الذي بدأ يكسوه الجِلدُ والعظم مع الصدريين، نهاية حملته لإيجاد حلفاء. جميلة العبيدي، إحدى نائبات الائتلاف،أفصحت عن ذلك: ” ليس لدى التحالف الجديد أيّ مانع من التوحّد مع بقيّة القوى السياسيّة المؤمنة بالمشروع الوطنيّ لبناء دولة عراقيّة مؤسساتيّة قائمة على توحيد البلد والحفاظ على سيادته، ومنع تدخل أيّ دولة مجاورة بالشأن العراقيّ”.

التيار الصدري، ترك لواحدٍ من القياديين فيه والذي يتمتعُ بوزن السومو في حلبته – أمير الكناني، ترجمة معنى التحالف مع ائتلاف الوطنية على الأرض الواقعية “الاتّفاق يتضمّن مشاركة الطرفين بقائمةٍ انتخابيّة موحّدة في محافظات بغداد و ميسان و الأنبار”.علاوي والصدريين، التقوا أيضاً في نقطة عدم الوقوع في غواية مفاتن التدخل الخارجي”إنّ همّ التحالف الجديد البارز هو منع التدخل الخارجيّ في صناعة القرارات السياسيّة”، وأيضاً ” إيجاد رؤية واضحة في علاقتنا مع الخارج والداخل”.

الكناني قرر بعدها أن يُحصي لنا كل الأجندات الموجودة في أدراج التحالف المزمع بين علّاوي والصدر ” سنعملُ على إصلاح السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، وتحقيق الإدارة اللامركزيّة في المناطق غير المنتظمة في الإقليم، وإقالة مفوضيّة الانتخابات، وتشكيل مفوضيّة جديدة مطابقة لمعايير الأمم المتحدة”.

التحالف الوطني مع الصدر.. أخٌ نتمنى لو لم يلدهُ المذهب !

نلاحظُ أن التصريحات السياسية بين الفرقاء العراقيين، دائماً ما تحاولُ أن تخفي آثار المدفعية الثقيلة للكتلة، وتنثر البارود أمام الكيان السياسي الأكبر الذي يحتضِنُها.محاولةً منها لتقليل الضرر، وإعطاءِ هجومها اللفظي مذاقاً مفادهُ إنّها كانت “رسالةً لا أكثر”.

المجلس الأعلى الإسلامي، تتميزُ مدفعيةُ تصريحاته الثقيلة، إنّها دقيقةٌ جدّاً، كأنها ضابطٌ مُحنّك، تدرب طويلاً في مدرسة رصد الأهداف بدون مبالغة إعلامية قد تحرقُ اليابس والأخضر. مثلاً لا على سبيل الإحاطة، كان النائبُ حسن خلاطي عن كتلة المواطن المنتميةُ للمجلس الأعلى الإسلامي، قد قدّم نفسهُ في 22 شباط 2017 ، كنائبٍ عن التحالف الوطني، وهو يعطي تصريحاً، يُعبّرُ فيه عن رأي كتلته “استبعدَ النائب عن التحالفِ الوطني حسن خلاطي، دخولَ التيارِ الصدري وائتلاف أياد علّاوي في قائمةٍ واحدة” . خلاطي، وصل الى مربط الفرس برشاقةٍ ” إنّ كتلةَ الأحرار، جزءٌ مِن مكوّناتِ التحالفِ الوطني، وأن هنالك اتّفاقاً على الخطوطِ العامّة”. خلاطي وجد أيضاً طريقةً أنيقة كي يُفصح عن القوانين التي تُنظّم الحياة السياسية، داخل جسد مكوّنات التحالف الوطني ” إنّ مِن حقِ أي كتلةٍ في التحالفِ الدخولُ بمفردِها في الانتخاباتِ المقبلة” .تاركاً للكلام الكلاسيكي حق إسدالِ السِتار : ” نحنُ مع أي مبادرةً فيها رسمُ ملامح لحياةٍ سياسية جديدة، تضمن بناء مؤسسات الدولة بشكلٍ صحيح”.

المشهد يختلف عند ائتلاف دولة القانون، فتصريحاتهُ المتجهة صوب التيار الصدري، تشبهُ صاروخاً باليستياً،مكشوفةٌ منصاتُ إطلاقهِ عند جميع وسائل الرصد الإعلامي. الأكثر من ذلك أنهُ حاول استباق تحالف علاوي-الصدر عن طريق قصفهِ إعلامياً بصاروخ الدعوة الى ما يُعرف بـ “حكومة الأغلبية” ، قبل سبعةِ عشر يوماً من إعلان علاوي الخجول عنه، تحديداً، انطلق في الثاني من مايو 2017 ” مع اقتراب انتهاء ولاية عمار الحكيم رئيساً للتحالف الوطني، يبذل ائتلاف دولة القانون ورئيسه نوري المالكي، جهوداً كبيرة لتطويق التيار الصدري، وطرح مشروعه القديم الجديد حكومة الأغلبية التي وجدت لها صدى خلال الأيام القليلة الماضية لدى كُتلتيْ المواطن التابعة للمجلس الأعلى، وائتلاف الوطنية بزعامة نائب رئيس الجمهورية أياد علّاوي”.

الصدر-علاوي.. دليل اتساع ثُقب الأوزون الطائفي

دولة القانون وكما سنُلاحظ بعد قليل، حريصةٌ جدّاً على نقاء الكتل السياسية. تشعرُ بالخشية من أن يحدث ثقبٌ في طبقة أوزون المعيار الطائفي. مثالاً على ذلك- ليس نادراً، النائب عن التحالف الوطني(ائتلاف دولة القانون)، عبد الهادي السعداوي، توقع إنّ علاوي وتيّارهُ السياسي، لن ينجو من رِماح الحسابات الطائفية”القائمة الوطنيّة فقدت شعبيّتها ومصداقيّتها في الشارع السُنّي، وانحرفت عن إطارها العام، وهو ما أسفر عن ولادة مشروعين يتمثّل الأوّل بالمشروع العربي، بقيادة الزعيم السُنّي خميس الخنجر. أمّا المشروع الثاني القريب من الأغلبيّة السياسيّة فهو مشروع رئيس مجلس النوّاب سليم الجبّوري والحزب الإسلاميّ وكتلة الحلّ وغيرها”. النائب السعداوي، اختصر هجومهُ على الصدريين، بأن أعطاهم القيمة صفر “الصدريون ما عادوا مؤثّرين في المشهدِ السياسيّ، كما كانوا، ولذلك، فهم خارج حلقة حوار أقطاب التحالف الذي تركوه منذ البدء”.

السعداوي، وجد أن طبيعة هذهِ النوعية من التحالفات ” مجرّد زوبعة سياسيّة لن تؤثر على برنامج ائتلاف دولة القانون الراغب في تحقيق حكومة الأغلبيّة السياسيّة، وإدارة دفّة الدولة من جديد”. نائبُ دولة القانون، عاد بعدها، ليوضّح ما يظنهُ الوجه الحقيقي لتحالف علاوي-الصدر، بعيداً عن ماكياج النوايا الجيّدة لهكذا نوعٍ من التحالفات “إنّ الأحرار وعلّاوي يسعيان إلى الحصول على منصب رئاسة الحكومة، لكنّهما سيفشلان لأنّهما لا يمتلكان مشروعاً سياسيّا لخدمة المواطن داخل البرلمان، وبناء الدولة”. النائب أيضاً، لم يبخل بتوجيه رسالةٍ الى المحيطين العربي والعالمي، قد أراد منها بحسب ما يبدو من سياق تصريحه، أن تترك الأجندتان، الحلبة الانتخابية بلا مُلصقات دعم، لأحد الأطراف على حِساب البعض الآخر، وبذلك ستُفتح صفحة جديدة ” لا توجد تدخلات عربيّة ودوليّة في تحديد شخص رئيس الوزراء، أنّ ذلك هو شأنٌ عراقيٌّ محض”.

التحالفات قبل الانتخابات..صكوك مُزيّفة

مكوّنات التحالف الوطني، أو كما يبدو على الأقل في حِراك ائتلاف دولة القانون، يحاول منع نزيف الأصوات التقليدية التي تخص مكوّنات التحالف الوطني، بل وربّما تزيد من رصيد أصواتها، بأخذِ سُلفة، مقابل قيادة التحالف الوطني الى برّ الأمان.النائبة عن دولة القانون ،إقبال الغراوي، نفخت في حظوظ حاضِن فريقِها السياسي”التحالف الوطني ما زال هو القائمة الأكبر،ووجود مثل هذا التقارب السياسي بين الكتل لا يعني تفتيت تحالف الأصل”.

النائب عن كتلة الأحرار، جمعة ديوان البهادلي، لم يتوانى عن إطلاق صواريخ باتريوت في سماء التصريحات التي غالباً ما يحرصُ ائتلاف دولة القانون على جعلِها مُزدحمة بحضور نوّابه”هذه التحالفات الجديدة تذر الرماد في العيون، لإيهام الكتل السياسية والخصوم، إنّ التحالف الجديد هو الأكبر لخوض الانتخابات”. البهادلي،انتقل بعدها مباشرة الى الهجوم ” بعض الكتل السياسية أثبتت فشلها، وها هي الآن تفشلُ مرّةً أخرى، بتشكيل تحالفات قبل خوض الانتخابات، وهذا فشلٌ سياسي بحت”. المفارقة إنّ النائب وعبر قصفهِ تصريحات الآخرين، أصاب الأحرار بنيرانٍ صديقة، خاصّةً إنّ الأحراريين يفعلون الآن ما يعيبون الآخرين عليه ” إنّ التحالفات في هذا الوقت،هي دعاية انتخابية، وإرباك للكُتل الأخرى”، محاولاً الاستناد على دِكّة التوضيح التالي ” في قانون السياسة لا للتحالفات قبل خوض الانتخابات”.

فكرةُ تقارب الصدريين مع المالكي ، تلقت بدورها طعنةً في الصميم من قبل النائب الأحراري، مُعطياً الحق لنفسه، أن يكون صوت جميع الكتل ” جميع الكُتل لن تقبل التقارب مع المالكي”، وعن موقف فريق النائب السياسي” كتلة الأحرار لا تثق بالمالكي نهائياً”. أمّا النائب عن اتحاد القوى، صلاح مزاحم الجبوري.. نذهب إليه لتلوين المشهد قليلاً، فقد رفض أن يرى كزميله النيابي، أي غضاضة في” الكلام عن وجود تحالفات. أمرٌ طبيعي قبل الانتخابات”. نائب القوى عاد ليتفق مع زميله في هذهِ النقطة ” إنّ مرحلة ما بعد الانتخابات هي بوابة التحالفات الجديدة”. الجبوري، ثقب بعدها بالونات التحالفات التي تطير بكُثرة هذهِ الأيام “الأشهر القليلة المقبلة ستشهدُ وجود تحالفات جديدة”، وعن حكومة الأغلبية، وقيمتها في التواصل السياسي بين الفرقاء ” باتت كلاماً بين الكتل السياسية”.

التيار الصدري.. ماهو ؟

يتحدث أسامة الغزالي حرب، مؤلف كتاب (الأحزاب السياسية في العالم الثالث) عن “أحزاب النشأة الخارجية”، ويعني بها تلك الأحزاب التي تنشأ كردِّ فعلٍ داخلي على أحداثٍ خارجية، وغالباً ما تستندُ الى الدين في ظهورها على المسرح السياسي.

لاحظ كاتبُ هذهِ السطور، إنّ هذهِ القاعدة تنطبقُ على التيار الصدري.الغزو الأمريكي هو الباعثُ الأساسُ له.مشكلة التيار أيضاً، أنهُ وبسبب قاعدته الجماهيرية-الفقراء، فإنهُ لم يستطع امتلاك نُخب متميزة، خلال ظروف نشأته الأولى. التيار الصدري، كان وما زال قنبلةً موقوتة، قد تُشظّي المشهد السياسي الى صورٍ أخرى غير متوقعة. رغم إنّ عادل عبد المهدي، كان قد بيّن في واحدةٍ من سلسلةِ مقالاتٍ له، إنّ “العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، تشبهُ علاقة العراق مع بريطانيا، قبل سنة 1958″،أي إنّ الثقل الأمريكي، يعملُ ككابحٍ للجميع في الواقع العراقي، مُطالباً أن تُدرس تلك المسألة بصورةٍ جدّية من قبل النُخب العراقية.

خالد عبد الله لديه رؤيةٌ مختلفة، حيثُ ذهب في مقالةٍ له بتاريخ 18/8/ 2004 (معركة النجف . . حرب اجتثاث أخفقت قبل أن تبدأ)، أي بتاريخٍ كانت فيه دِماءُ معركة النجف الأولى والثانية ما تزالُ حارة الى رسمِ “إسكتش”، يوضح الظلال الخفيفة والمميزة للصدريين، والتي لم يفلح الكثيرون في التقاطها ” ممارسات جيش المهدي، ومُناصريْ مقتدى الصدر، لم تختلف عن ممارسات الميليشيات الأخرى التي يعجُ بها العراق، كلٌ يحاول أن يحافظ على مراكزه، وكلٌ يسعى لمدِّ مجال نفوذه. وبطبيعة الحال تختلف نظرة قوات الاحتلال من ميليشيات إلى أخرى”. عبد الله أعطى مثالاً على الفقرة السابقة ” ترى في بعضها حليفاً لوجودها كقوات البيشمركة، وهي ترى في أخرى وجوداً مُحايداً كقوّاتِ بدر، كما أنها تنظرُ إلى البعض الآخر خطراً على قوّاتها، وجيش المهدي يقع في مُقدمةِ من ترى فيهم خطراً مُحدِقاً”.

الخطوط العريضة للمحاولات الأمريكية مع الصدر بحسب خالد عبد الله ” حاولت الولايات المتحدة، احتواء مقتدى الصدر، بإغرائه في المشاركة في مجلس الحكم،وفي إشراكه في فعاليات السُلطة، لكن جهودها باءت بالإخفاق. ثم حاولت قصم ظهر جيش المهدي في ابريل الماضي، حينما أعلن الجنرال سانشيز أنهُ سيقضي على مقتدى الصدر، فازدادت شعبيته، واضطرت القوات الأمريكية إلى عقدِ هُدنةً معه”. شعبية الصدر، بعد معركتيْ النجف، أصبحت مثل محطة نووية ، قادرة على توليد عدد لا متناهي من الأتباع ” هذا الارتفاعُ الكبير في شعبية مقتدى الصدر له نتائج مادية ومعنوية. فمن بحر هذا التأييد يستطيع أن يجند مقاتلين ونشطاء، ويمكنه أن يجمع تبرعات،ويتيح له أن يسيطر على مؤسسات ومراكز عسكرية ومدنية، وكلما ازدادت قوته وتوسعت هيمنته، كلما أغرت الآخرين بالانضواء تحت لوائه، وفي إعلان الولاء له. حينذاك، يستطيعُ دون أن يحرّك مقاتلاً أن يشل كل عمل أو نشاط للقوات الأمريكية، أو للشرطة العراقية المتحالفة معها”.

الصدر.. ماوتسي تونغ الشيعة

هذهِ المقارنة الثقيلة الدم على قلب التاريخ والانجازات، والتي حشرنا فيها قسراً، زعيم الشيوعية الصينية،و زعيم التيار الصدري،نريدُ من ورائها إبراز ضخامة الآمال المتعلقة بتجاوز الصدر لجغرافيا الطائفة، وصنع هوية وطنية جامعة، خالية من مخاوف إنتاج الماضي. كذلك عندما سنقول عن بقية مكوّنات التحالف الوطني، إنّها تشبهُ حزب “الكومنتانج الوطني”، المنافس للحزب الشيوعي الصيني، فإننا لا نروم سوى إبراز القلق الوجودي الذي يمثلهُ خطّ الصدريين السياسي، بالنسبة لمكوّنات التحالف الوطني.

نعود الى عبد الله، حيثُ لم يدخر وسعاً في توضيح تداعيات تضخم العضلات السياسية للتيار “عندئذٍ، لن يكون هناك أي معنى لوجود الحكومة المؤقتة. فهي لا وجود لها في كردستان العراق، وهي غائبة في “المثلث السني”، وتكتمل الدائرة بهيمنة الصدر على المناطق التي تسكنها الأغلبية الشيعية، كما أن الأحزاب التي تستند الى التأييد الشعبي لن تكون إلّا هياكلاً خاوية”. نتيجة تجسد هذهِ الصورة، فإنّ هذا لا بدّ أن ” يستفز كل الخصوم إلى إجراءاتٍ استباقية، ويغري المنافسين بالتحريض والتآمر لمنعه، أو السكوت على إزالته، ولم يغب عن بال القائمين بهذه التحرشات، أنّ ليس في استطاعة قوات جيش المهدي غضّ النظر عنها، فمثل ذلك، سيظهرها عاجزة عن الدفاع عن نفسها، ويضعِفُ شعبيتها، ويغري القوى الأخرى بها. فرد الفعل أمر طبيعي ومتوقع”.

الأمر الآخر، قبل أن نسمح للكاتب بالعودة الى عرض حججه، أن نطرح سؤالاً صعباً.. ظاهرهُ تشويق لكن باطنهُ جرس إنذار: (هل من المعقول أن وقت تفجير القنبلة الصدرية قد اقترب؟). نعود بعدها الى عبد الله ” إنّ ملاحظة الأمريكان لتنامي قوة الصدر واحتمال سيطرتها على الشارع الشيعي، هي بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في الوقت غير الملائم، وبالقوّة غير المناسبة لمصلحة الولايات المتحدة. فمن الأفضل حينذاك أن تُباشر الإدارة الأمريكية تفجيرها في وقتٍ تختاره، وقبل أن تتنامى قوّتها ما يجعلُ أضرارها غير باهظة سياسياً ومادياً”. هنا لا أجدُ محيصاً لي عن الاستسلامِ لغواية التذكير بزيارة القنصل الأمريكي في البصرة، لجرحى الحشد الشعبي من الجناح المُسلّح العائد للتيار الصدري- سرايا السلام.

دور التنافس الداخلي بين ماوتسي تونغ والكومنتانج العراقيين، قال عنه عبد الله ” أول ما يلحظ المرء في هذا التنافس الازدواجية التي يتعاطى بها بعض المسؤولين العراقيين مع قوات جيش المهدي.فصوت زيباري وزير الخارجية قوي وواضح في ضرورة ضربها بشدة، وهو الذي يمثل قوة ميليشيات كردية لا تسمح للحكومة المركزية من الاقتراب من مناطقها. ولن يخفى على المراقب، أن تفرد الميليشيات الكردية بالقوّة، يجعلُها تفرضُ جدول أعمالها على القوى الضعيفة التي لا تملك قوّةً تُضارعُها”. وأيضاً “هناك قوى شيعية مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية،وحزب الدعوة لديها أتباع كُثر، بدأت تشعر بالحرج وبالضغوط الشعبية لمشاركتها في حكومة مؤقتة لا تملك أن تعارض الممارسات الأمريكية”.

الطائفية.. حِجاب للكومنتانج العراقي !

هنا جاءت الفرصة، للتذكير بما كان قد نشرتهُ إحدى وسائل الإعلام العراقية لطالبٍ مصري،اسمهُ خالد خميس طلبة،يحملُ درجة الماجستير الأكاديمية في اللغة العربية، حيثُ كان قد كتب( لا جماعة إلّا الأمّة ولا مذهب إلّا الإسلام). ذهب طلبة فيما كتب من سطورٍ الى فكرةٍ شيّقةً مفادُها، أنهُ لا توجدُ في حقيقة الأمر، فرقةٌ ناجيةٌ في الإسلام. طلبة اعتمد على فهمه لقاعدة الاستثناء التام والاستثناء المنقطع. الاستثناء المنقطع أشّرهُ طلبة في حديث الرسول ” كلهم في النار إلّا واحدة”، وحين سُئل عنها، أجاب:”الجماعة”. طلبة قدّم هذهِ الحجة بعدها،أنهُ مادام جنسُ ما قبل (إلّا)لا يختلفُ عمّا بعدها.. على أعتبار أنها تشيرُ الى جماعات بشرية، فإنّ ذلك يعني أن الجميع في النار بلا استثناء ما داموا مختلفين!!

الكومنتانج العراقي، كان مقتنعاً في الأمس فيما يخصُ علاقته مع العم سام- بحسب عبد الله ” ليست لديها القوّة أو الرغبة أو كليهما في النزول الى الشارع، لمواجهة الاحتلال الأمريكي، إذ يبدو أنها اقتنعت ان مسايرتها للاحتلال قد يعود عليها بفوائد، بينما معارضتُها الفعّالة له تعرضُها الى مخاطر”. المذهب حضر أيضاً في تخمينات عبد الله ” ربّما يُحرّكُ بعضاً منها دوافعٌ مذهبية”. فهي تطمح أن يُمكّنها الأمريكان، في وجود المقاومة فيما يسمى “المثلث السني” من حكم العراق، بعد أن غابت عنه سنين طويلة، وتخشى حقيقة أم وهماً، أن تعود الأوضاع السابقة في إدارة شؤون العراق إلى ما كانت عليه. وهذا التوجه كان يمكن أن يؤتي ثماره لو لم تكن هناك قوات جيش المهدي، أو أن هذا الجيش لم يأخذ موقف العداء الفعّال من الاحتلال الأمريكي. ففي غياب قوات جيش المهدي كان يمكن أن تكون المعادلة، “مثلث سني” مقاوم في مواجهةِ مناطقٍ شيعية مُتحالفة. لكن جيش المهدي أفسد هذا الوهم. وهو وهم لأنه يفترض الافتراق في الدفاع عن الوطن من مُنطلقاتٍ مصلحية. وهو وهم لأنه لم يستوعب دروس التاريخ حينما كان الشيعة في طليعة المدافعين عن العراق”.

اختم مع عبد الله بفكرةٍ أخرى شائقة، تتحدثُ عن تداعيات غياب الصدر عن المشهد،طبعاً المقصود بالغياب، اجتثاث الصدر والقضاء عليه ” لو أنه قد غاب عن مسرح الأحداث فإن الاحتمالات كثيرة ومتنوعة. كما كان سيكون من نتائجه ان تفقد الحركات الأخرى قيمتها، وأن تذوي حياتها السياسية”. طبعاً الطرافةُ هنا تخرجُ عن الخاتمة، حيثُ كان محللٌ سياسي، قد ذهب بالضبط ومن اتجاهٍ مُعاكس لِما كان قد كُتِب قبل 15 عاماً تقريباً ” قال الخبير السياسي جاسم الموسوي ” التيار الصدري بات وحيداً في الساحة السياسية وفي البرلمان بسبب التوجهات التي يتبعها ضد خصومه، وهي تقوم على المعارضة الكاملة للعملية السياسية وأتباع أسلوب الاختلاف مع القوى السياسية، للتقرب من الجماهير، وهذا ما قد يؤدي الى عزوف الكثير من القادة السياسيين عن الصدريين”.

الصدر.. عيديد عالمياً وسندباد ديني عربياً !

في هذه الفقرة، قررنا اختيار الأسبان كي يكونوا بوصلةً تؤشّرُ اتجاه رؤية العالم للعراق، وبالتالي، ما يختزنهُ العالم من آراء مُسبقة ونمطية عن العالم العربي عامّة وعن جمجمة العرب بشكلٍ خاص.

الوسيلة الإعلامية التي نقلت عن الموندو، نشرت وبتاريخ 31 آذار 2014 ” نشرتْ صحيفة الموندو الأسبانية تقريراً حول الأحداث التي دارت ورافقت معركة النجف وصدور طبعة جديدة من كتاب “وأخيراً الحرب”، الذي يدور عن إرسال القوات الأسبانية إلى الحرب في العراق قبل 10 أعوام، وكيف سقط في تلك المعركة 250 قتيلاً ومن ثم تغطية رؤوس الكثير من العراقيين بأكياس. هذه رواية المعركة الأكثر أهمية للقوات الأسبانية في النصف الأخير من القرن” .

الموندو، اختارت من ذكريات معركة النجف،الخلفيات التي وجدت أنّ من المفيد لُقرّائها ، استعادتِها من جديد ” منذ أشهر قبل ذلك الحادث كان يُلحظ الصدر في النجف، وبشكلٍ أكثر تحديداً في مسجد الأمام علي، المقدّس لدى الشيعة، ووجود المحاكم الإسلامية التي كانت تُطبق الشريعة، والتي بها كان مقتدى الصدر يوسّعُ سلطته على السكان”.

المبكي الذي لا يُضحك وجاءت بهِ سطور الموندو، ذلك الوصفُ الاختزالي لمأساة ما حصل في الفلوجة ” كان أسلوب العمل المعتاد لدى الأمريكان، أنهم ما يزالون يرون أنفسهم في حالة حرب، وأنهم عندما يواجهون مقاومة (وهذا ما أظهروه في الفلوجة، على سبيل المثال) كانوا يهاجمون بضراوة وبكل ما أوتوا من قوة”. الموندو، فضحت أن الدور الأسباني في معركة النجف، والتي أشعل القبض على اليعقوبي شرارتها، حدث قسرياً، لأن الشريك الأمريكي، عامل الأسباني مثل أطرشٍ في زفّة عُرس. أبرز الأشياء فيما نُقِل عن الموندو- حسب تقييمي، فقرتان، أوّلُها ” لإنقاذ الجنود السلفادوريين الذي كانوا قد حوصروا في شوارعها، ما جعلهم يعيشون مشاهد عظيمة من فيلم بلاك هوك داون، حيث تقدموا بكامل السرعة بمُدرعاتهم بينما كانوا يطلقون النار بمدافع رشاشة على أسطح المنازل التي منها كانت تنطلق عليهم نيران الرشاشات وقاذفات القنابل اليدوية”. ربّما هنا يجب أن نتساءل: من هو عيديد في نسخة الفلم العراقي؟

الفقرة الثانية، أنها كشفت فضيحة أبو غريب الأسباني ” يجب وضع معاملة السجناء في قاعدة إسبانيا، والفضيحة التي أثارتها صورٌ نشرتها صحيفة الباييس في آذار 2013 عن انتهاكات إساءة المعاملة. على الرغم من أننا لا نملك أدلة تشير إلى المسؤولين عن تلك الأفعال، التي تخضعُ لتحقيقٍ قضائي ما زال مستمراً،يصفُ الكتاب وبالتفصيل جميع بروتوكولات معاملة السجناء، بما في ذلك تلك الأكياس التي تغطي الرأس والتي غالباً ما تلفت الانتباه.. يثير القشعريرة وقد يبدو غير إنساني وضع كيس يغطي رأس شخص ما لكي لا يرى أين هو”، أمّا التبرير” يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، أن المعتقل هو مشتبه به في قصف بقذائف هاون للقاعدة التي تم احتجازه فيها، فسوف نفهم بشكل أحسن أن هذا لا يسهل عليه التحقق من تصميم القاعدة الداخلي. ويمنعه من ذلك كيس الرأس،المصنوع من نسيج فيه مسامات كافية، ما يسمح له بالتنفس”. أنصح القارىء بقراءةِ هاتين الفقرتين ملياً !!

أمّا الكاتب المصري عماد عنان وفي (إمبراطورية الصدر . . حلم خلافة السيستاني في العراق)، فهو يرى إنّ “التقلب”، يُعشعشُ في قلبِ الحِراك السياسي للصدر ” الزعيم الصدري منذ بدأ نشاطه السياسي عام 2003 وحتى الآن، ينتهج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر،منهجاً متقلباً في السياسة العراقية، مما دفع البعض لوصف مواقف هذا التيار بالضبابية أحيانًا والمتناقضة أحيانًا أخرى، سيّما بعدما باتت أكثر الأطراف إثارة للجدل في المشهد العراقي خلال العشر سنوات الأخيرة على وجه التحديد”.عنان، قرأ مواقف التيار من الاحتلال، ودوره في أحداث سامراء،ودوره في دعم الاحتجاجات ” السُنّية” ضد غريمه المالكي، أمّا التحول الأبرز لمواقف الصدر الموصوف بـ (الفتى المشاكس) بحسب قاموس تفسيرات الكاتب ” أمّا التحول الرابع والأكثر بروزاً في مسيرة الرجل الثاني في القيادة الشيعية العراقية، والفتى المشاكس الذي طالما أثار الجدل ما بين الحين والآخر، هو التصريحات الرنانة التي طالما يطلقها في كل مناسبة بشأن الإصلاح والتصدي للفاسدين”.

الهدف الحقيقي من ” تحولات الصدر”، جعلها الكاتب المصري، خاتمة حديثه “سياسة الاحتجاجات وشعارات الإصلاح، ومحاولة كسب جميع الأطراف والتي تمثلُ أبرز محاور الإستراتيجية التي يتبناها مقتدى الصدر، إضافة إلى ما يتمتع به من مرونة في التعامل مع خيوط المشهد السياسي العراقي المعقد، ستلقي بظلالها على المشهد الانتخابي القادم، حال تراجعه عن فكرة المقاطعة، إضافة إلى دورها في اقترابه من تحقيق حلمه في تقلّدِ منصب الزعامة الشيعية بشقّيها الديني والسياسي”.

عواجل تحالفية بطعم WhatsApp

يوم الجمعة ، وصلتني من العصفورة، “فلاشات” سريعة، آخِر أخبار التحالفات. جاء فيها بدون زيادةً مني أو نقصان: علاوي لم يتحالف مع الصدر، بل تحالف مع سليم الجبوري، العبادي لم يتحالف مع الصدر بل مع الحشد، خميس الخنجر وسعد البزاز تحالفا مع بعضهما.