18 ديسمبر، 2024 11:07 م

الصدر… طموح ينهي المشروع السياسي

الصدر… طموح ينهي المشروع السياسي

تنقل كتب التاريخ عن قادة ساهموا بتحرير بلدانهم مِن المستعمر الاجنبي دروسا وحِكما من الممكن الاستفادة منها في وقتنا الحاضر، ومنهم الزعيم الفيتنامي هوتشي منه، الذي كان ينصح وزير دفاعه الجنرال فون جياب بعد انتصاره على الجيش الفرنسي في معركة ديان بيان فو، بان “تحرير البلاد ليس منة يتحملها الشعب، انما واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب”، في رسالة واضحة تؤكد بان المناصب وجدت لخدمة “عباد الله” وليس وسيلة لتحقيق غايات معينة واطماع شخصية يحاول العديد من “جهابذة” عمليتنا السياسية، الوصول اليها بحجة القاعدة الشعبية.

ولعل الطموح الذي كشف عنه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بحصول تياره على رئاسة الوزراء اقرب مثال على ذلك، فالسيد الصدر توقع مقدما بان التيار الصدري قد يستحوذ على اغلبية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات المبكرة، مِن خلال مجموعة نقاط حددها سابقا وزيره صالح محمد العراقي، حينما اخبرنا بان التيار الصدري هو الفائز باعلى الاصوات في الوقت الحاضر والمستقبل، ليذهب بالقول بان “المسؤولين التابعين للتيار افضل مِن غيرهم او اقلهم فسادا”، وهو مابرره السيد الصدر بالحصول على منصب رئيس الوزراء لتحقيق “الاصلاح الداخلي” لكننا لا نعلم عن اي اصلاح يتحدث زعيم التيار الصدري الذي شارك بجميع الحكومات السابقة، حتى ان اختيار المرشح لرئاسة الوزراء لا يمر مِن دون موافقته والحصول على “مباركته”.

لكن مواقف السيد الصدر قد تكون “استباقا” لنتيجة متوقعة بتراجع مقاعد التيار في البرلمان التي قد لا تتجاوز بافضل الاحوال 50 مقعدا، لاسباب عدة في مقدمتها خسارته للعديد مِن الاطراف بعد وقوفه بالضد مِن احتجاجات تشرين والتحريض على انهاء التظاهرات بحجة خروجها عن “الإصلاح”، ليضيف نقطة اخرى لسجل التناقضات بالمواقف التي تجعل الجمهور “فاقدا” للثقة بالتعامل معه في المرحلة المقبلة، فالمتابع لتغريدة السيد الصدر الاخيرة التي حدد فيها شروط تراجعه عن قرار عدم المشاركة بالانتخابات، بحصول التيار الصدري على الاغلبية في البرلمان التي تمكنه مِن منصب رئيس الوزراء، يدرك تماما بان السيد “متخوف” مِن النتائج العكسية فاختار طريقة اخرى “لتحدي” اتباعه مِن خلال دفعهم للمشاركة بالانتخابات، “لاكمال مشروع الاصلاح مِن الداخل سوية”، كما اخبرنا بتغريدته، وبعكسه قد يعلن السيد الصدر انسحابه مِن العملية السياسية بحجة عدم تحقيق الاغلبية المطلوبة لرئاسة الوزراء، ليحرج اتباعه مِن خلال تحميلهم مسؤولية “فشل المشروع الاصلاحي”، وهذا قد يكون الجانب المخفي مِن موقف السيد الصدر غير المعلن حتى الان.

يحاول زعيم التيار الصدري الحصول على منصب رئاسة الوزراء مِن خلال اقناعنا باستمرار شعارات الاصلاح التي سمعناها مِن ايام حكومات نوري المالكي وحيدر العبادي وَعادل عبد المهدي وصولا الى السيد مصطفى الكاظمي، مستخدما ادواته لايهام الجميع بان مشروع الاصلاح يحتاج الى منصب رئيس الوزراء ليكتمل، لكنه لم يكشف اسباب فشل المشروع، حينما كان يمتلك الصدريون وزارات الصحة والنقل والزراعة والبلديات والاعمار والصناعة والعمل والموارد المائية والتخطيط، في الحكومات السابقة، ولماذا يستمر الفشل رغم وجودهم في منصب الامين العام لمجلس الوزراء وكراسي وزارة الصحة والكهرباء والبنك المركزي، في حكومة الكاظمي، هل الاصلاح يتطلب “ابتلاع” الحكومة بجميع مؤسساته والسيطرة على منابع الاموال والواردات حتى يحقق غايته في محاربة “الفساد والتبعية والانحراف”، لماذا لا يكون الاصلاح بالاستماع لاصوات المواطنين وايجاد الحلول لمشاكلهم بدلا مِن الرهان على استمرار معاناتهم واستخدامهم كوقود لتحقيق غايات ومصالح خاصة.

الخلاصة.. ان السيد الصدر يدرك جيدا بان الحصول على منصب رئاسة الوزراء يحتاج لتوافق “داخلي وخارجي” قبل تحقيق اعلى الاصوات في الانتخابات، وهذه حقيقة لا يمكن اغفالها وواحدة مِن مسلمات العمل السياسي التي تفرض على الجميع بدون استثناء، وبالتالي فان تحرك السيد الصدر لا يمكن خروجه عن اطار “الاغراء” للقاعدة الشعبية لتحقيق اثبات الوجود، والدليل على ذلك دعوة وزيره صالح محمد العراق لصلاة جمعة موحدة في ساحة التحرير، التي كانت “مكانا للفاحشة” كما جاء بنص الدعوة رغم سيطرة اتباعه على العديد من فعالياتها خلال الفترة الماضية.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل اقتربت نهاية المشروع السياسي للصدر؟