23 ديسمبر، 2024 2:19 ص

الشيوعيون وما أشاعوا!!

الشيوعيون وما أشاعوا!!

عندما زرت دول أوربا الشرقية ذهلتُ بما شاهدتُ من معالم وحالات متطورة ومعاصرة وبُنى تحتية متواكبة مع زمانها , فالمدن حديثة ومدهشة.
وحضر سؤال لماذا لم تفعل الأحزاب الشيوعية في الدول العربية ما فعلته في دول أوربا الشرقية؟
ونهضت أجوبة متعددة , لكن جوهر الجواب الذي بدى مفتاح الوجيع والفشل , الذي أصاب أحزاب العرب الشيوعية , يمكن إختصاره بعدم فهم الفكرة , بل وتشويهها , وعجز القيادات عن تطبيعها مع الواقع العربي.
قد يقول قائل إنه الدين , والمجتمعات التي إنطلقت فيها الشيوعية ذات أديان , وما تعارض ذلك مع ما ذهبت إليه وأنجزته , لأنها طوَّعت فكرها للواقع الذي أرادت أن تتمثل فيه , فهل يكره صاحب أي دين , توفير السكن اللائق والعمل والرعاية الصحية والإجتماعية , وتأسيس الصناعات والإنتاجية العالية , وغيرها من الخدمات التي تحافظ على قيمة وسلامة المواطن؟
فالعرب إعتدَوا على الشيوعية , وقاتلوها وفي مقدمتهم المدَّعون بها , وبسبب جهلهم لجوهرها وعدم قدرتهم على إستثمارها واقعيا , تحوّلوا كغيرهم إلى مناضلين من أجل الكراسي , مما تسبب بتصارعات قاسية ودامية مع الآخرين الساعين إليها .
كما أن دعوتهم المنقطعة عن الواقع ألّبت عليهم الذين أشاعوا أنها ضد الدين , وتدعو للكفر والإلحاد , وما إستطاعوا أن ينتصروا على ما أحيط بهم من التوصيفات السلبية , بل تفاعلوا معها على أنها صفاتهم , وهم الذين يجاهدون في تأكيدها وتعزيز طروحاتهم.
وكان قادتهم يزورون الدول الشيوعية ولا يفقهون ما يتحقق في ديارها , ويتندرون في أحاديثهم على ما يشاهدونه من تقدم ورخاء بقول بعضهم ” إنها برجوازية لا إشتراكية” , ولهذا تجد العديد من الحركات والأحزاب رفعت شعارات “الإشتراكية” , وفهمتها على أنها إفقار الشعب , ومساواته بالقحط والحرمان , وما فكرت بالرفاهية والتقدم العلمي والبناء بأنواعه.
الإشتراكية التي لا تزال غير مفهومة في الواقع العربي , حولت العراق من بلد يصدر المحاصيل الزراعية إلى مستورد لها , وأبادت النتخيل وبوَّرت الأراضي , ومصر التي كانت الأولى في جودة قطنها حولتها إلى دولة متأخرة بإنتاجه , ولا تطعم نفسها.
اما في اليمن فتأسست دولة على أنها شيوعية , وما قدمت مثلا إيحابيا يُحتذى به , بل وما إستطاعت أن تنجز نسبة ضئيلة مما أنجزته الشيوعية في أي دولة بأوربا الشرقية.
وهكذا فالعلة ليست بالفكر الشيوعي وإنما بالذين لم يستوعبوه ويتمثلوه , ولم يؤسسوا لمنطلقات عملية تعبر عنه , فخاضوا غمار التفاعلات الإتلافية مع باقي القوى والأحزاب والحركات المعززة بالقوى المناهضة لها آنذاك , وما عرفوا مواضع خطاهم , وتوهموا بأن حياتهم يجسدها الكرسي وحسب.
فكان الذي كان , وتداعى الأبرياء في مدن الأحزان والعدوان!!
فلماذا لم يكن الحال أحسن مما كان؟!!