19 ديسمبر، 2024 12:42 ص

الشيعة ومشكلة تدوين السنة

الشيعة ومشكلة تدوين السنة

للشيعة وجهة نظرفي عدم تدوين السنة النبوية مفادها أن الامر كان مقصودا ووراءه هدف لأن السنة النبوية تحتوي على أحاديث كثيرة عن مناقب الإمام علي بن ابي طالب وأهل البيت ويرى الشيعة أن طمس هذه الأحاديث وعدم وصولها للناس يصب في صالح فكرة أبعاد الإمام علي عن الخلافة كحديث الغدير وحديث المنزلة فذكر هذه الاحاديث يجعل الناس يتساءلون عن عدم تولية الإمام علي للخلافة كحق له على ضوء هذه المناقب؟
على أنّ هناك جماعة من كبار الصحابة والتابعين قد اتّخذوا التدوين مسلكاً ومنهجاً حتّى على عهد الخليفة عمر بن الخطّاب الذي عُرف بشدّته وقسوته على مَن يخالفه في آرائه ومن أُولئك : عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدريّ وأبو ذرّ وعمار بن ياسروسلمان الفارسي.وقد شكل هؤلاء فريقا للمعارضة ورفضوا الإنصياع لاوامرالخليفة بعدم التدوين فترى هؤلاء يدوّنون ويحدّثون ولا يرون مبرّراً للمنع ولا يعيرون لرأي الشيخين ـ ومَن مَنَع تبعاً لهما ـ القدسيّة التي لا يمكن معها من مناقشتهما . كما أنّهم لم يخشوا ما خشيه آخرون ومن هنا حدث التخالف في الرأي بين النهجين هذا يُحَدِّث ويكتب ويدوّن وذلك يقول بالإقلال أو بمنع التحديث والكتابة والتدوين وبذلك ارتسمت أُصول الطرفين الفكريّة وعن طريقهم وصلت الاحاديث التي حاولت السلطة طمس معالمها والتعتيم عليها حتى لايظهر الحق المخفي!هذه هي باختصاروجهة نظر الشيعة الاثنا عشرية في موضوع عدم تدوين الحديث.وقد ناقش الشيعة حجج المنع في أكثر من كتاب ومؤلف ومقالة وهذا ملخص ردودهم:1- مناقشة موقف الخليفة أبي بكر.الأعتراض الأول: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يبعث أعيان الصحابة معلّمين للناس ، ومنذرين ، وكان يأمر الناس بالأخذ عنهم ، والتفقّه على أيديهم ، خصوصاً بعد ( آية الإنذار ) ومنع الصحابيّ من رواية ما سمعه والعمل به ، يعني إلغاء وظيفة العالِم الشرعيّة فيتعليم الناس وتبصيرهم . وأمّا حدوث التقوّل والافتراء من قبل بعض الصحابة ، فهو يستدعي ردع المتقوّل ومنع المفتري ذاته من التحديث ، ولا معنى لمنع الجميع .
وأمّا إذا استعصى حكم ولم يُهتَد فيه إلى وجه الصواب ، فبالإمكان الرجوع إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله ما دام حيّاً . والرجوع بعد وفاته إلى مشاورة سائر الصحابة ممّن سمع في ذلك أثراً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله للاطمئنان وللتأكُّد من صحّة النقل ، وهو ما رأيناه عند بعض الصحابة . 
الثاني: إنّه كان بإمكان الخليفة جمع الصحابة ضمن لجنة ، والاستماع إلى منقولاتهم ، وتثبيت ما هو الصحيح ، وحذف المشكوك فيه؛ توحيداً للمنقول عنه صلّى الله عليه وآله . وكان ذلك الأمر سهلاً يسيراً ؛ لأنّ الصحابة لم يذهبوا بعدُ في أقطار الأرض للغزو والفتح كما حدث بعدئذٍ في زمن عمر ، ولم يفصل بينهم زمن طويل عن زمان النبيّ صلّى الله عليه وآله ، ممّا يعني قلّة نسيانهم وندرة خطئهم ، ووجود فرصة ذهبيّة لتوحيد نقولاتهم بأيسر سبيل خصوصاً مع إمكان التعرّف على حال الراوي من قريب دون تعدّد الوسائط في النقل ، إذ أنَّ أغلبهم ما يزال في المدينة على قيد الحياة .
الثالث: إنّ المنع من التحديث ، وبتطاول الأمد ، سيضاعف من عدد الأحكام المجهولة عند المسلمين ؛ وذلك ما يحدو بهم أن يستنبطوها من المسلّمات والمرويّات العامّة ؛ وبذلك تختلف وجوه الاستنباط وتتعدّد وجهات النظر ، بينما ينتفي كلّ هذا الاختلاف لو كان التحديث محكماً والتدوين جارياً .الرابع:إنّه لا يمكن منع التحديث بالأحاديث مع العلم القطعيّ باحتوائها على أُمّهات المسائل ممّا يحتاجه المسلمون في حياتهم الدينيّة والدنيويّة ، إذ إنّ إضاعة الأحكام وإبادتها يدخل في دائرة المحرّم والممنوع ؛ لأنّه يؤول إلى إضاعة معالم الدين وأحكامه ، فكان الموقف المناسب أن تُوَحَّد المرويّات وفقاً لمقياس ما يتّخذه الخليفة ، وأن يلجم الكذّابين ويمنعهم من التحديث ، وأن يرفع الخلاف الظاهريّ بعرض الروايات على القرآن ، أو منقولات الصحابة الآخرين المتثبتين ، إلى غير ذلك من سبل ضبط الحديث ، والأخذ به ممّا يتّبعه المسلمون اليوم .(1).
……………………………….

1- منع تدوين الحديث،السيد علي الشهرستاني،ص31.