جسد منهك، وعقل مريض، باطنه يخالف ظاهره، أرادة معدومة، مات علماء الأمة، وحيي سفائها، هذا واقعنا منذ أغشيت “2003” وحتى الساعة، وكلما أطلقت صفارة الأصلاحات، رفع كارت الفساد الأحمر بوجهها، ويبقى البعير على التل، بأنتظار من طال أنتظاره.
العراق .. ذاك الوطن الذي جمع بين نقيضين، دكتاتورية وحرية، فأجاد الدكتاتور لعب دوره، وأخفق المحررون بتطبيق الحريات المزعومة التي جاءوا بها، فتأبطت كل فرقة شرها، وتنامت الأحقاد، وتعسكرت الجموع للاقتتال، كأن شيعة هذا الزمان يعارضون السابق ومتى ما تولوا زمام الأمور أخذوا يطبقون نهج أسلافهم المدحورين، فتعساً لشيعة قدت قميص البعث من قبل، فلما انتصرت تجلببت به من دبر.
وراء كل انتصار رمز، وذلك الرمز هو المرجعية التي تقود الأمة الى بر الأمان، تملك الفكر، وتجسد المبادئ، ولا تتنازل عن الثوابت، وتترجم الأقوال الى افعال، وهي السفينة التي نجا من ركبها وغرق المتخلف عنها، فهل نحن الفرقة الناجية أم كتب علينا أن نكون من المغرقين؟!
أثبتت التجارب العملية أن الأمم التي حققت التقدم، كانت أمم ملتزمة برؤى ومنهجية رموزهم “المرجعية” وفي العراق متى ما عزمنا على أن نحقق التقدم علينا أن نتبع خط المرجعية، وأن ننفتح على الآخر، ونعترف به شريكاً واقعياً في الوطن، له حقوق وعليه واجبات، لكن على أن لا يتقاطع الأنفتاح مع المنظومة الأخلاقية والدينية التي تتحلى بها مرجعيتنا، فهي صمام الأمان، أمن من لجئ اليها، وخاب ناكرها.
ربما نجد صعوبة بتمييز الصالح و الطالح، فغزارة القنوات الأعلامية، والمهارة بتلميع صور القادة، خلقت غشاوة الأبصار، لكنها لم تطل البصيرة، سنبحث عن الملتزم بخط المرجعية، سنبحث عمن يبادر ولا ينتظر المبادرة، سنبحث عمن يمنح الفرصة للشباب ولا يبخسها، سنبحث عمن يعترف بالآخر ولا يقصيه، سنبحث عمن يملك الآرث الجهادي، وينحدر من سلاسة العلماء لا الأدعياء، سنبحث عمن جمعت خيمته كل الطوائف والقوميات، فخرجوا متآخين بعد ان كانوا متخاصمين، سنبحث عمن يحمل المشروع ويراجع ولا يتراجع، سنبحث عن القائد الذي يصنع القادة، لا القائد الذي ينفرد ويقصي ويهمش.
مهما طال بنا الزمان، وتكالبت علينا الدهور، “لابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر” ولا بد أن ينزل البعير من التل، فنجد من نبحث عنه، وما أجمل اللقاء بعد طول أنتظار.